السؤال
أردت الاستفسار عن الأوقات المستحبة للدعاء، في حديث الرسول قال -فيما معناه- أنه ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا كان له إحدى ثلاث... (إلى آخر الحديث).
ومن المعلوم أن إجابة الله للدعاء لا تكون حتما بتحقيق المطلوب، بل بما ذكر في الحديث، ووفقا للحديث فهذا صحيح لكل دعوة (وفقا للشروط المذكورة) فإذا كان الأمر كذلك، فما المعنى من الأوقات المستحبة للدعاء وغيرها من أحاديث؛ مثل أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب؟ بوركتم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن تخصيص أوقات وأحوال بإجابة الدعاء -كالدعاء في ثلث الليل الآخر، أو دعاء المظلوم - معناه: أن الدعاء فيها أرجى للإجابة، وأحرى في القبول من الدعاء في عموم الأوقات والأحوال.
وليس معناه: الجزم بتحقق عين مطلوب الداعي فيها، ولا أن غيرها من الأوقات والأحوال لا يجاب الدعاء فيها، جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: تحري الدعاء في مواطن الإجابة، مستحب، ويفهم الاستحباب من مختلف الصيغ الواردة في الكتاب والسنة، كالثناء على فاعله في مثل قول الله تعالى: {وبالأسحار هم يستغفرون}، وكالتخصيص في نحو قوله تعالى في الحديث القدسي: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له. وربما صرحت بعض الأحاديث بالأمر المفيد للاستحباب، كما في حديث عمرو بن عبسة أنه سمع النبي يقول: أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن.
قال الغزالي: من آداب الدعاء أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة، كيوم عرفة من السنة، ويوم الجمعة من كل أسبوع، ووقت السحر من ساعات الليل.
وقال النووي: قال أصحابنا - يعني الشافعية - يستحب أن يكثر في ليلة القدر من الدعوات المستحبة، وفي المواطن الشريفة.
وقال البهوتي: يتحرى الداعي أوقات الإجابة، كالثلث الأخير من الليل، وعند الأذان والإقامة.
- وليس معنى كون الزمان المعين أو المكان المعين موطنا للإجابة: أن حصول المطلوب بالدعاء متعين بكل حال، بل المراد أنه أرجى من غيره، قال ابن حجر في شرح حديث: ينزل ربنا...: لا يعترض على ذلك بتخلفه عن بعض الداعين؛ لأن سبب التخلف وقوع الخلل في شرط من شروط الدعاء، كالاحتراز في المطعم والمشرب والملبس، أو لاستعجال الداعي، أو بأن يكون الدعاء بإثم أو قطيعة رحم، أو تحصل الإجابة به ويتأخر وجود المطلوب لمصلحة العبد، أو لأمر يريده الله تعالى. ويدل على ذلك حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذن نكثر؟ قال: الله أكثر.
والله تعالى وعد الداعي بأن يستجيب له وعدا مطلقا غير مقيد بزمان، أو مكان، أو حال، قال تعالى: {ادعوني أستجب لكم}، وقال: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}، فإجابته للدعاء في كل وقت توجه إليه فيه العبد بالدعاء؛ ولذا كان تخصيص موطن معين بالإجابة دالا على تأكدها فيه، وليس المراد الحصر ونفي الإجابة عما عداه. اهـ. وراجعي للفائدة الفتوى: 367840.
والله أعلم.