السؤال
ما صحة حديث: رجل يخرج من النار، ويدخل الجنة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الذين يخرجون من النار ويدخلون الجنة كثر، وهم كل من دخل النار من عصاة الموحدين؛ فإن عقيدة أهل السنة أن كل من مات على التوحيد، فمصيره الجنة، وإن دخل النار بسبب ذنوب ارتكبها لا تقتضي تخليده في النار، وقد بينا ذلك في فتاوى كثيرة، منها الفتاوى: 31033، 166427، 348826.
وأما إن كنت تسأل عن آخر الموحدين خروجا من النار ودخولا إلى الجنة، فقد جاء ذكر ذلك الرجل في الصحيحين، وغيرهما بروايات متعددة، فمنها حديث أبي هريرة، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده، وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرج، ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله، أمر الملائكة أن يخرجوهم، فيعرفونهم بعلامة آثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود، فيخرجونهم قد امتحشوا، فيصب عليهم ماء، يقال له: ماء الحياة، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل، ويبقى رجل منهم مقبل بوجهه على النار، فيقول: يا رب، قد قشبني ريحها، وأحرقني ذكاؤها، فاصرف وجهي عن النار، فلا يزال يدعو الله، فيقول: لعلك إن أعطيتك أن تسألني غيره، فيقول: لا وعزتك، لا أسألك غيره، فيصرف وجهه عن النار، ثم يقول بعد ذلك: يا رب، قربني إلى باب الجنة، فيقول: أليس قد زعمت أن لا تسألني غيره، ويلك -ابن آدم- ما أغدرك، فلا يزال يدعو، فيقول: لعلي إن أعطيتك ذلك تسألني غيره، فيقول: لا وعزتك، لا أسألك غيره، فيعطي الله من عهود ومواثيق أن لا يسأله غيره، فيقربه إلى باب الجنة، فإذا رأى ما فيها، سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم يقول: رب، أدخلني الجنة، ثم يقول: أوليس قد زعمت أن لا تسألني غيره، ويلك -يا ابن آدم- ما أغدرك، فيقول: يا رب، لا تجعلني أشقى خلقك، فلا يزال يدعو حتى يضحك، فإذا ضحك منه، أذن له بالدخول فيها، فإذا دخل فيها، قيل له: تمن من كذا، فيتمنى، ثم يقال له: تمن من كذا، فيتمنى؛ حتى تنقطع به الأماني، فيقول له: هذا لك ومثله معه" قال أبو هريرة: وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا. أخرجه البخاري ومسلم.
ومنها حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها، وآخر أهل الجنة دخولا، رجل يخرج من النار كبوا، فيقول الله: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب، وجدتها ملأى، فيقول: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب، وجدتها ملأى، فيقول: اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها -أو: إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا - فيقول: تسخر مني- أو: تضحك مني- وأنت الملك"، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه، وكان يقول: ذاك أدنى أهل الجنة منزلة. أخرجه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: آخر من يدخل الجنة رجل، فهو يمشي مرة، ويكبو مرة، وتسفعه النار مرة، فإذا ما جاوزها، التفت إليها، فقال: تبارك الذي نجاني منك، لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين والآخرين، فترفع له شجرة، فيقول: أي رب، أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها، وأشرب من مائها، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم، لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها، فيقول: لا، يا رب، ويعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول: أي رب، أدنني من هذه لأشرب من مائها، وأستظل بظلها، لا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها، فيقول: لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها، فيعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين، فيقول: أي رب، أدنني من هذه لأستظل بظلها، وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها، قال: بلى يا رب، هذه لا أسألك غيرها، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليها، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها فيسمع أصوات أهل الجنة، فيقول: أي رب، أدخلنيها، فيقول: يا ابن آدم، ما يصريني منك؟ أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال: يا رب، أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟"، فضحك ابن مسعود، فقال: ألا تسألوني مم أضحك؟ فقالوا: مم تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟ قال: "من ضحك رب العالمين حين قال: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر.
والله أعلم.