الدلائل النقلية والعقلية على صدق القرآن

0 33

السؤال

عندي بعض الأسئلة فيما يخص العقيدة، وأحتاج الإجابة عنها بشكل ضروري جدا.
1- ماهي الأدلة والبراهين العقلية والنقلية التي نثبت بها أن القرآن من عند الله تعالى. وأن محمد رسول الله.
لأنه تأتيني أفكار ربما قديما كان الإنسان ذا إمكانيات أخرى، ولديه وسائل متطورة، والتفكير القديم أقوى من اليوم، ويكون القرآن مجرد إدعاءات بشرية. أو تكون هناك خلائق أخرى مثل الجن أو غيرها لها قدرات خاصة أتت بالقرآن، وأعطته لمحمد، وادعو أنه من عند الله.
لذلك ماهي البراهين العقلية والنقلية مع الشرح ضروري جدا لإثبات أن القرآن من عند الله، وليس من عند البشر، أو أي مخلوقات أخرى؛ سواء نعرفها، أو لا نعرفها.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فأعظم حجة على صدق نبينا -صلى الله عليه وسلم- هي معجزته الخالدة التي تحدى بها الإنس والجن، فعجزوا عن معارضتها، وعن الإتيان بسورة من مثله، وهي القرآن العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه.

وكيف يكون من عند الجن، أو مما أتت به الشياطين، وهو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه؟!.

فالأدلة النقلية على صدق القرآن، وكونه معجزة النبي -صلى الله عليه وسلم- كثيرة جدا.

فمنها: قوله تعالى: قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا {الإسراء:88}.

ومنها: ما في الصحيح من قوله -صلى الله عليه وسلم-: ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة.

والنصوص في هذا المعنى كثيرة جدا.

وأما الدلائل العقلية على صدق القرآن، فأوضح من الشمس في رابعة النهار، فإن الله تعالى أنزل هذا الكتاب على نبيه الأمي الذي لم يقرأ الكتب السالفة، ولا تلقى عن أهلها، ثم أخبر بما كان في الزمن الماضي على نحو مطابق لما بيد أهل الكتاب، وأخبر عن مغيبات فوقعت كما أخبر، وتحدى به أهل زمانه ومن بعدهم إلى قيام الساعة أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو بسورة من مثله، فعجزوا جميعا، قال الله تعالى: وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين { البقرة:23ـ 24}. 

وللعلامة القاسمي ـ رحمه الله ـ كلام نفيس في بيان دليل صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- وكون ما أتى به من القرآن إنما هو من عند الله تعالى، ونحن نسوقه لك على طوله ليزداد البصير في أمره بصيرة، ولا يبقى للريبة بعد موضع.

قال رحمه الله: تنبيه: هذه الآية الجليلة من جملة الآيات التي صدعت بتحدي الكافرين بالتنزيل الكريم، وقد تحداهم الله تعالى في غير موضع منه، فقال في سورة القصص: قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين {القصص: 49} وقال في سورة الإسراء: قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا {الإسراء: 88} وقال في سورة هود: أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين {هود: 13} وقال في سورة يونس: وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه، قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين { يونس: 38ـ 38} وكل هذه الآيات مكية، ثم تحداهم أيضا في المدينة بقوله وإن كنتم في ريب.. { البقرة: 23} إلى آخر هذه الآية فعجزوا عن آخرهم: وهم فرسان الكلام، وأرباب النظام، وقد خصوا من البلاغة والحكم، ما لم يخص به غيرهم من الأمم، وأوتو من ذرابة اللسان، ما لم يؤت إنسان، ومن فصل الخطاب، ما يقيد الألباب، جعل الله لهم ذلك طبعا وخلقة، وفيهم غريزة وقوة، يأتون منه على البديهة بالعجب، ويدلون به إلى كل سبب، فيخطبون بديها في المقامات وشديد الخطب، ويرتجزون به بين الطعن والضرب، ويمدحون، ويقدحون، ويتوسلون، ويتوصلون، ويرفعون، ويضعون، فيأتون بالسحر الحلال، ويطوقون من أوصافهم أجمل من سمط اللئال، فيخدعون الألباب، ويذللون الصعاب، ويذهبون الإحن، ويهيجون الدمن ويجرئون الجبان، ويبسطون يد الجعد البنان، ويصيرون الناقص كاملا، ويتركون النبيه خاملا، منهم البدوي: ذو اللفظ الجزل والقول الفصل، والكلام الفخم، والطبع الجوهري، والمنزع القوي، ومنهم الحضري: ذو البلاغة البارعة، والألفاظ الناصعة والكلمات الجامعة، والطبع السهل، والتصرف في القول القليل الكلفة، الكثير الرونق، الرقيق الحاشية، وكلا البابين فلهما في البلاغة الحجة البالغة، والقوة الدامغة، والقدح الفالج، والمهبع الناهج، لا يشكون أن الكلام طوع مرادهم، والبلاغة ملك قيادهم، قدحوا فنونها، واستنبطوا عيونها، ودخلوا من كل باب من أبوابها، وعلوا صرحا لبلوغ أسبابها، فقالوا في الخطير والمهين، وتفننوا في الغث والسمين، وتقاولوا في القل والكثر، وتساجلوا في النظم والنثر، ومع هذا فلم يتصد للإتيان بما يوازيه أو يدانيه واحد من فصحائهم، ولم ينهض لمقدار أقصر سورة منه ناهض من بلغائهم، على أنهم كانوا أكثر من حصى البطحاء، وأوفر عددا من رمال الدهناء، ولم ينبض منهم عرق العصبية مع اشتهارهم بالإفراط في المضادة والمضارة، وإلقائه الشراشر على المعازة والمعارة، ولقائهم دون المناضلة عن أحسابهم الخطط، وركوبهم في كل ما يرومونه الشطط: إن أتاهم أحد بمفخرة أتوه بمفاخر، وإن رماهم بمأثرة رموه بمآثر، وقد جرد لهم الحجة أولا، والسيف آخرا، فلم يعارضوا إلا السيف وحده، فما أعرضوا عن معارضة الحجة إلا لعلمهم أن البحر قد زخر فطم على الكواكب، وأن الشمس قد أشرقت فطمست نور الكواكب، وبذلك يظهر أن في قوله تعالى: ولن تفعلوا ـ معجزة أخرى، فإنهم ما فعلوا، وما قدروا، ومن تعاطى ذلك من سخفائهم كمسيلمة كشف عواره لجميعهم، قال الحافظ ابن كثير: ذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب قبل أن يسلم عمرو، فقال له مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدة؟ فقال له عمرو: لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة، فقال: وما هي؟ فقال: والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ـ ففكر ساعة ثم رفع رأسه فقال: ولقد أنزل علي مثلها، قال: وما هو؟ فقال: يا وبر يا وبر! إنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حفر نقر ـ ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: والله إنك لتعلم إني أعلم أنك تكذب! وحيث عجز عرب ذلك العصر، فما سواهم أعجز في هذا الأمر ...! وقد مضى إلى الآن أكثر من ألف وثلاثمائة عام، ولم يوجد أحد من معاديه البلغاء إلا وهو مسلم، أو ذو استسلام، فدل على أنه ليس من كلام البشر، بل كلام خالق القوى والقدر، أنزله تصديقا لرسوله، وتحقيقا لمقوله وهذا الوجه ـ أعني بلوغه في الفصاحة والبلاغة إلى حد خرج عن طوق البشر ـ كاف وحده في الإعجاز، وقد انضم إليه أوجه: منها إخباره عن أمور مغيبة ظهرت كما أخبر، ومنها: كونه لا يمله السمع مهما تكرر، ومنها: جمعه لعلوم لم تكن معهودة، عند العرب والعجم، ومنها: إنباؤه عن الوقائع الخالية، وأحوال الأمم، والحال أن من أنزل عليه، صلى الله عليه وسلم كان أميا لا يكتب ولا يقرأ، لاستغنائه بالوحي، وليكون وجه الإعجاز بالقبول أحرى، وبذلك يعلم أن القرآن أعظم المعجزات، فإنه آية باقية مدى الدهر، يشاهدها كل حين بعين الفكر كل ذي حجر، وسواه من المعجزات انقضت بانقضاء وقتها، فلم يبق منها إلا الخبر. انتهى.

وحيث تبين كون هذا القرآن منزلا من عند الله بلا أدنى ريب كان ذلك أدل دليل وأصدق برهان على كونه رسول الله حقا، ودلائل صدقه صلى الله عليه وسلم ومعجزاته الكثيرة سوى القرآن العزيز أوضح من الشمس ولله الحمد، فما من دليل يقوم على صدق رسول من الرسل إلا قام مثله وأضعافه على نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم، بل لا تثبت نبوة أحد من الأنبياء من طريق صحيح إلا من طريقه صلى الله عليه وسلم.

وقد ألفت في دلائل النبوة تصانيف مفردة، فمن ذلك فصل دلائل النبوة في البداية والنهاية لابن كثير، ومن ذلك ما سطره شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر الجواب الصحيح، وننصحك بمطالعة كتاب النبأ العظيم للشيخ عبد الله دراز رحمه الله، وكذا كتاب الرسل والرسالات للشيخ عمر الأشقر رحمه الله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة