الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا إشكال في صحة كلمة أديانهم لغويا، فهي جمع دين، ولا إشكال فيها شرعا، ولعلك توهمت أن التعبير بالأديان في حق المسلمين توجب أن أديانهم متعددة مختلفة، وليس دينا واحدا، وهو الإسلام، وهذه مجرد وسوسة، لا وجه لها، وقد أخرج الطحاوي في شرح مشكل الآثار عن مصعب بن سعد, عن أبيه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قيل: أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء صلوات الله عليهم, ثم الأمثل فالأمثل, ثم يبتلى الناس على حسب أديانهم, فإذا كان الرجل حسن الدين، اشتد بلاؤه, وإن كان في دينه شيء، ابتلي على قدر ذلك, فما يبرح البلاء عن العبد حتى يمشي على الأرض وما عليه من ذنب. وقد أخرجه الترمذي في سننه بلفظ: على حسب دينه، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه ابن حبان في صحيحه، وصححه الحاكم.
والتعبير شائع عند العلماء، فمثلا في حلية الأولياء: قال يوسف بن أسباط: والله لقد أدركت أقواما فساقا كانوا أشد إبقاء على مروءاتهم من قراء أهل هذا الزمان على أديانهم. اهـ.
وقال ابن بطة في الإبانة الكبرى: اعلموا -رحمنا الله وإياكم- أن من شأن المؤمنين وصفاتهم وجود الإيمان فيهم, ودوام الإشفاق على إيمانهم, وشدة الحذر على أديانهم, فقلوبهم وجلة من خوف السلب, قد أحاط بهم الوجل، لا يدرون ما الله صانع بهم في بقية أعمارهم, حذرين من التزكية، متبعين لما أمرهم به مولاهم الكريم حين يقول: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} [النجم:32]. اهـ.
وقال اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة: ومقالة أهل البدع لم تظهر إلا بسلطان قاهر، أو بشيطان معاند فاجر، يضل الناس خفيا ببدعته، أو يقهر ذاك بسيفه وسوطه، أو يستميل قلبه بماله ليضله عن سبيل الله؛ حمية لبدعته، وذبا عن ضلالته؛ ليرد المسلمين على أعقابهم، ويفتنهم عن أديانهم. اهـ.
وقال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام: ولا يليق بالرجال الكاملة أديانهم وعقولهم أن تحكم عليهم النساء؛ لنقصان عقولهن وأديانهن، وفي ذلك كسر لنخوة الرجال مع غلبة المفاسد فيما يحكم به النساء على الرجال، وقد قال - عليه السلام -: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة. اهـ.
وراجع حول الدعاء الذي ذكرته الفتوى: 161145.
مع التنبيه إلى أن قول (ألف مرة) لا يعني أن اللفظ بذلك يتكرر ألف مرة، فالعبرة بتكرار اللفظ حقيقة، وأما إتباع اللفظ بعدد معين، فلا يعتبر بمنزلة تكرار اللفظ شرعا، قال ابن تيمية: إذا قيل للرجل: سبح مرتين، أو سبح ثلاث مرات، أو مائة مرة، فلا بد أن يقول: سبحان الله، سبحان الله؛ حتى يستوفي العدد. فلو أراد أن يجمل ذلك، فيقول: سبحان الله مرتين، أو مائة مرة، لم يكن قد سبح إلا مرة واحدة. وقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين جويرية: لقد قلت بعدك أربع كلمات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله مداد كلماته. أخرجه مسلم في صحيحه. فمعناه: أنه سبحانه يستحق التسبيح بعدد ذلك، كقوله صلى الله عليه وسلم: "ربنا ولك الحمد، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد"، ليس المراد أنه سبح تسبيحا بقدر ذلك:
فالمقدار تارة يكون وصفا لفعل العبد، وفعله محصور.
وتارة يكون لما يستحقه الرب، فذاك الذي يعظم قدره؛ وإلا فلو قال المصلي في صلاته: سبحان الله عدد خلقه، لم يكن قد سبح إلا مرة واحدة، ولما شرع النبي صلى الله عليه وسلم أن يسبح دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، ويحمد ثلاثا وثلاثين، ويكبر ثلاثا وثلاثين، فلو قال: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، عدد خلقه، لم يكن قد سبح إلا مرة واحدة. اهـ. باختصار من مجموع الفتاوى.
والله أعلم.