ضوابط جواز التفسير الإشاري للقرآن الكريم

0 41

السؤال

دار بيني وبين صديقي حوار حول غفلة الناس عن آيات ربهم من ابتلاءات، ومحن، واستهزائهم بها، مثلما يجري على مواقع التواصل الاجتماعي، الذي غلب عليه التفكه، والتنكيت عن فيروس كورونا.
وفي هذا المقام استحضرت أول سورة الأنبياء، وتلوتها، قال تعالى: اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون [(1) ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون (2)]، فتدبري منها أن معناها الغفلة عن الآخرة، واللعب، والاستهتار بابتلاءات الله الحالية في هذا الزمان؛ لأن فعل "يأتيهم" فعل مضارع مرفوع، يفيد التجدد والاستمرار، و"من ذكر محدث" تعني آيات وابتلاءات؛ حتى نتعظ، ونتوب إلى الله،
وبعد ذلك بحثت، فوجدت أن المفسرين لم يفسروا بهذا، ومن جهة أخرى أقول: إن القرآن لا تنقضي عجائبه، فشعرت بالخوف من أن أدخل في قول الله تعالى: "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون"، فقرن الشرك بالقول على الله بغير علم، وخشيت أن أكون ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال في القرآن برأيه، أو بما لا يعلم، فليتبوأ مقعده من النار"، فهل تدبري لهذه الآية صحيح؟ بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمجرد استحضار الآية، وتلاوتها في موقف مناسب، لا يعد تفسيرا لها، وإنما هو مجرد استنباط، أو استفادة من معنى كلي في الآية.

وهذا قريب مما يعرف بالتفسير الإشاري الذي يشتهر به الصوفية، وأصحاب الخواطر، ونحوهم، ومنه ما هو صحيح مقبول، ومنه ما هو سقيم مردود، بحسب المعنى، ودلالة الآية، وألفاظها، قال ابن القيم في التبيان في أقسام القرآن: تفسير الناس يدور على ثلاثة أصول:

تفسير على اللفظ، وهو الذي ينحو إليه المتأخرون.

وتفسير على المعنى، وهو الذي يذكره السلف.

وتفسير على الإشارة والقياس، وهو الذي ينحو إليه كثير من الصوفية، وغيرهم، وهذا لا بأس به بأربعة شرائط: ألا يناقض معنى الآية، وأن يكون معنى صحيحا في نفسه، وأن يكون في اللفظ إشعار به، وأن يكون بينه وبين معنى الآية ارتباط وتلازم.

فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة، كان استنباطا حسنا. اهـ.

فهذه الشروط الأربعة هي التي تجعل من التفسير الإشاري استنباطا مقبولا من الآيات، ومعنى مستفادا منها.

وعلى ذلك؛ فقياس الآيات الحسية على الآيات المتلوة في تعامل أهل الغفلة، واستقبالهم إياها، له وجه مقبول في الفهم، فكما يستقبل أهل الغفلة آيات الله ووحيه لأنبيائه ورسله على غير محمل الجد، بل بلعب الأبدان، ولهو القلوب، فكذلك يستقبلون آيات الله تعالى ونذره المحسوسة بطريقة مشابهة، كما فعل آل فرعون مع الآيات التسع التي جاء بها موسى عليه السلام - ومنها: الطوفان، والجراد، والقمل، والدم، كما قال تعالى: ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين. فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون. وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون [الزخرف:46، 48].

وهذا شأن أهل الغفلة والطغيان، كما قال تعالى: ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون. حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون [المؤمنون:76 - 77].

وقد قال الماوردي في النكت والعيون عند قوله تعالى: اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون [الأنبياء: 1]: ولبعض أصحاب الخواطر وجه ثالث: أنها غافلة عما يراد بها، ومنها. اهـ.

والخلاصة: أن تلاوة هذه الآيات على سبيل الاستفادة والعظة في الواقع المذكور؛ له وجه مقبول، ولكنه ليس تفسيرا للآيات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة