السؤال
أقوم بتوريد شرائح ومسامير لمستشفيات، متعاقدة مع شركات تأمين طبي، تدفع ما يتكلفه مريضها.
ولكن المستشفى يبالغ جدا في ربحه، ويعطيني ربحا ضئيلا جدا، وكذلك أجرة الطبيب المعالج. ولا يمكن زيادة سعر البند الذي أورده؛ لأنهم لن يوافقوا على ذلك، فيتفق معي الطبيب على أن يكتب أنه محتاج لبنود زائدة؛ لكي تصبح الفاتورة ذات قيمة معقولة، على أن يأخذ نسبة حينما أحصلها.
وإذا رفضت سيتعامل الطبيب مع غيري، ومعظم الأطباء هكذا، علما بأننا إذا لم نفعل ذلك، يبتلع المستشفى الربح كاملا، ولا يقلل من تكلفة التأمين شيئا.
فهل ما أفعله حرام؟ وإذا كان هناك من يستثمرون أموالهم معي ماذا عليهم؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكون المستشفى يعطيك ربحا زهيدا مقابل توريد الشرائح والمسامير، مع أن المستشفى يربح أضعافا مضاعفة من الجهات التي يتعاقد معها، ويقدم لها الخدمات الطبية.
فكل ذلك لا يبيح لك ما تفعله من التحايل بالاتفاق مع الطبيب ليطلب أشياء لا يحتاجها المستشفى، من أجل رفع الفاتورة، وزيادة الثمن؛ لتعطيه بعض المكسب.
فهذا غش وخديعة، وتعاون منكما على الإثم والعدوان، وقد قال تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب {المائدة:2}.
والغش والخديعة خلقان محرمان مذمومان، لا يتصف بهما المؤمن الذي يخاف ربه، ولا ينبغي له أن يزاولهما أصلا. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من غشنا فليس منا. أخرجه مسلم عن أبي هريرة، وأخرج عنه أيضا: من غش فليس مني. وأخرج الطبراني أيضا: من غشنا فليس منا، والمكر والخداع في النار.
وهذا يعم كل غش، وكل خديعة، وكل مكر في أي مجال كان، وفي حق أي شخص، كما يتبين من ألفاظ الحديث.
وكون الطبيب إذا لم تتعامل أنت معه وفق ما ذكرت، فسيتعامل مع غيرك؛ فهذا أيضا لا يبيح لك الإقدام على تلك الأمور المحرمة. وفي الحديث: إن روح القدس نفث في روعي: أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها. فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن يطلبه أحدكم بمعصية الله، فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته. رواه ابن ماجه.
وأسباب الكسب المباح وطرقه كثيرة لمن تحراها وابتغاها، ودرهم حلال، خير من ألف درهم حرام، قال تعالى : قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله ياأولي الألباب لعلكم تفلحون {المائدة:100}.
فاتق الله تعالى، وكف عن ذلك العمل المحرم، وعلى من يستثمر ماله معك أن يتقي الله تعالى أيضا، وأن ينهاك عن الاستثمار فيما هو محرم إن علم بما تفعل، أو يسحب ماله منك إن تماديت على ذلك، وإن لم يعلم المستثمرون بما تأتيه فأنت تتحمل وزر ذلك.
فانج بنفسك، ولا تدخل الحرام على غيرك. وأعلم أنه لا خير في الحرام مطلقا، كما سبق بيانه، وكان الإمام أحمد -رحمه الله- ينشد:
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها * لا خير في لذة من بعدها النار
ومن ترك شيئا لله، عوضه الله خيرا منه، ونسأل الله أن يوسع عليك، وأن يغنيك بحلاله عن حرامه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.