السؤال
1( هل القول بانقطاع العذاب وفناء النار يعتبر عقيدة فاسدة تدخل صاحبها النار لمخالفتها النصوص القطعية من القرآن والسنة ؟ أرجو ذكر الدليل في حال الإيجاب أوالنفي 2) هل القول باستحالة رؤية الله في الدنيا والآخرة يعتبر عقيدة فاسدة تدخل صاحبها النار لمخالفتها النصوص القطعية من القرآن والسنة ؟ أرجو ذكر الدليل في حال الإيجاب أوالنفي
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي عليه أهل السنة والجماعة أن الجنة والنار لا تفنيان. كما قال الطحاوي في عقيدته المشهورة: والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان ولاتبيدان .
وقال ابن حزم في كتابه الملل والنحل: (اتفقت فرق الأمة كلها على أن لا فناء للجنة ولا لنعيمها، ولا للنار ولا لعذابها، إلا الجهم بن صفوان ).
وهذا ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، ومن ذلك قوله تعالى عن أهل النار: ( إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا *إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا) [النساء: 168-169]
وقوله: ( إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا* خالدين فيها أبدا ) [الأحزاب:63-65 ] وقوله: ( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ) [الجن: 23] وقوله: ( إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون* لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون ) [الزخرف: 74-75 ]
وقوله : (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين ) [النساء :14]
وقوله تعالى: ( ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون ) [فصلت 28]
فالنار باقية لا تفنى وكذلك أهلها من الكفار والمنافقين، ولا يخرج منها إلا عصاة الموحدين بالشفاعة أو بعد تنقيتهم وتهذيبهم.
وقال الله تعالى في شأن الجنة وأهلها:
( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية* جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ) [البينة 7-8] وقال تعالى: ( لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم ) [الدخان: 65]
وقال تعالى: ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا* خالدين فهيا لا يبغون عنها حولا ) [الكهف: 107] وقال تعالى: ( أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا ) [الرعد:35] وقال: (إن هذا لرزقنا ما له من نفاد ) [ص 54]
إلى غير ذلك من الآيات.
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال يا أهل الجنة هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت. ويقال ياأهل النار هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح. ثم يقال: ياأهل الجنة خلود فلا موت، وياأهل النار خلود فلا موت "
فهذا هو الحق الذي أجمع عليه أهل السنة والجماعة، بناء على النصوص القطعية من القرآن والسنة.
ثانيا:
دل الكتاب والسنة على أن المؤمنين يرون ربهم سبحانه وتعالى في الجنة، وعلى ذلك أجمع الصحابة والتابعون ومن بعدهم من أهل الهدى.
قال الله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة* إلى ربها ناظرة) [القيامة22-23:]
وقال سبحانه: ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [المطففين: 15]
قال الشافعي: لما حجب هؤلاء في السخط دل على أن أولياءه يرونه في الرضى.
وقال عز وجل: ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) فالحسنى: هي الجنة، والزيادة: هي النظر إلى وجه الله الكريم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة؟ وتنجنا من النار؟. قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل" ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة. )
وفي الصحيحين من حديث جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا جلوسا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال " إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا، لا تضامون في رؤيته "
وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي هريرة أن ناسا قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل تضامون في رؤية القمر ليلة البدر" ؟ قالوا: لا يا رسول الله قال "هل تضامون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟" قالوا: لا يا رسول الله. قال: "فإنكم ترونه كذلك " الحديث أي ترونه رؤية صحيحة لا مضارة فيها.
إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة التي رواها بضعة وعشرون صحابيا وهي أحاديث متواترة كما بين ذلك أهل العلم.
وأما رؤية الله تعالى في الدنيا فإنها جائزة عقلا، لكنها غير واقعة شرعا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم محذرا من الدجال: " تعلمون أنه لن يرى أحدكم ربه حتى يموت، وإنه مكتوب بين عينه ك ف ر يقرؤه من كره عمله" رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وليس في هذا خلاف بين أهل السنة إلا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج، والصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نورا وهو الحجاب. كما روى مسلم في الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قد سألته - أي عن رؤيته لربه - فقال: "رأيت نورا ".
وفي مسلم أيضا من حديث أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ قال: " نور أنى أراه " أي كيف أراه !
وقد دل على أن النور هو الحجاب قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: " إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، ويرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".
وسبحات وجهه، أي: نوره وجلاله وبهاؤه.
قال النووي رحمه الله في شرحه على مسلم: اعلم أن مذهب أهل السنة بأجمعهم أن رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة عقلا، وأجمعوا أيضا على وقوعها في الآخرة، وأن المؤمنين يرون الله تعالى دون الكافرين، وزعمت طائفة من أهل البدع المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه، وأن رؤيته مستحيلة عقلا، وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح، وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة ومن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين، ورواها نحو من عشرين صحابيا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآيات القرآن فيها مشهورة، واعتراضات المبتدعة عليها لها أجوبة مشهورة في كتب المتكلمين من أهل السنة … وأما رؤية الله تعالى في الدنيا فقد قدمنا أنها ممكنة، ولكن الجمهور من السلف والخلف من المتكلمين وغيرهم أنها لا تقع في الدنيا … ) انتهى كلام النووي رحمه الله تعالى.
والله أعلم.