كيف خرج بنو إسرائيل من مصر؟

0 24

السؤال

كيف خرج بنو إسرائيل من مصر؟ وهل قام فرعون بإخراجهم كرها، أم إن سيدنا موسى طلب من فرعون أن يخرجوا، فلم يقبل؟ فقد وجدت آيتين تتحدثان عن معنى مختلف، وهما: "فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا" وقوله تعالى: "حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل"، فالآية الأولى تفيد أن فرعون أراد أن يخرج بني إسرائيل من الأرض غصبا، والآية الثانية يطلب فيها سيدنا موسى منه أن يجعله يخرج مع بني إسرائيل إلى الأرض المقدسة، فكيف نوفق بين الآيتين؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن بني إسرائيل قد خرجوا من مصر بوحي من الله إلى نبيه موسى -عليه السلام-، كما قص الله سبحانه في كتابه نبأ خروجهم، واتباع فرعون لهم، وإغراق الله له، قال سبحانه: ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى * فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم {طه:77-78}، وقال تعالى: وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون {الشعراء:52}، وقال عز وجل:  فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون * واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون {الدخان:23-24}، جاء في تفسير ابن سعدي: لما ظهر موسى بالبراهين على فرعون وقومه، مكث في مصر يدعوهم إلى الإسلام، ويسعى في تخليص بني إسرائيل من فرعون وعذابه، وفرعون في عتو ونفور، وأمره شديد على بني إسرائيل، ويريه الله من الآيات والعبر ما قصه الله علينا في القرآن، وبنو إسرائيل لا يقدرون أن يظهروا إيمانهم ويعلنوه، قد اتخذوا بيوتهم مساجد، وصبروا على فرعون وأذاه، فأراد الله تعالى أن ينجيهم من عدوهم، ويمكن لهم في الأرض ليعبدوه جهرا، ويقيموا أمره، فأوحى إلى نبيه موسى أن سيروا أول الليل، ليتمادوا في الأرض، وأخبره أن فرعون وقومه سيتبعونه، فخرجوا أول الليل جميع بني إسرائيل هم ونساؤهم وذريتهم.

فلما أصبح أهل مصر إذا ليس فيها منهم داع ولا مجيب، فحنق عليهم عدوهم فرعون، وأرسل في المدائن، من يجمع له الناس، ويحضهم على الخروج في أثر بني إسرائيل؛ ليوقع بهم وينفذ غيظه، والله غالب على أمره، فتكاملت جنود فرعون، فسار بهم يتبع بني إسرائيل، فأتبعوهم مشرقين، {فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون}، وقلقوا وخافوا: البحر أمامهم، وفرعون من ورائهم، قد امتلأ عليهم غيظا وحنقا، وموسى مطمئن القلب، ساكن البال، قد وثق بوعد ربه، فقال: {كلا إن معي ربي سيهدين}، فأوحى الله إليه أن يضرب البحر بعصاه، فضربه، فانفرق اثني عشر طريقا، وصار الماء كالجبال العالية، عن يمين الطرق ويسارها، وأيبس الله طرقهم التي انفرق عنها الماء، وأمرهم الله أن لا يخافوا من إدراك فرعون، ولا يخشوا من الغرق في البحر، فسلكوا في تلك الطرق.

فجاء فرعون وجنوده، فسلكوا وراءهم، حتى إذا تكامل قوم موسى خارجين وقوم فرعون داخلين، أمر الله البحر، فالتطم عليهم، وغشيهم من اليم ما غشيهم، وغرقوا كلهم، ولم ينجح منهم أحد، وبنو إسرائيل ينظرون إلى عدوهم، قد أقر الله أعينهم بهلاكه. اهـ.

ولا تعارض بين قوله سبحانه: حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل {الأعراف:105}، وقوله تعالى: فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا {الإسراء:103}.

فقد طلب موسى -عليه السلام- من فرعون تحرير بني إسرائيل، وإطلاق سبيلهم من الاستعباد، والأعمال الشاقة التي كان يضطهدهم بها فرعون؛ ليخرجوا معه باختيارهم إلى الأرض المقدسة.

وفرق عظيم بين هذا الطلب، وبين ما كان يريده فرعون من استئصال بني إسرائيل وقتلهم -على قول-، أو الاستخفاف بهم وإلجائهم إلى الخروج كرها -على القول الآخر-، جاء في تفسير الرازيأما قوله: ﴿فأرسل معي بني إسرائيل﴾ أي: أطلق عنهم وخلهم، وكان فرعون قد استخدمهم في الأعمال الشاقة، مثل ضرب اللبن، ونقل التراب. اهـ.

وفي تفسير أبي السعود: ﴿فأرسل معي بني إسرائيل﴾؛ أي: فخلهم حتى يذهبوا معي إلى الأرض المقدسة التي هي وطن آبائهم، وكان قد استعبدهم بعد انقراض الأسباط، يستعملهم ويكلفهم الأفاعيل الشاقة. اهـ.

وفي زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي: قوله تعالى: فأراد أن يستفزهم من الأرض. يعني: فرعون أراد أن يستفز بني إسرائيل من أرض مصر. وفي معنى يستفزهم قولان: أحدهما: يستأصلهم، قاله ابن عباس. والثاني: يستخفهم حتى يخرجوا، قاله ابن قتيبة.

وقال الزجاج: جائز أن يكون استفزازهم إخراجهم منها بالقتل، أو بالتنحية. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات