سبب عدم دخول اليهود والنصارى الجنةَ مع إيمانهم بالله ومشقة تغيير دينهم

0 15

السؤال

ما ذنب كافة الديانات السماوية الأخرى غير الدين الإسلامي في عدم دخولهم الجنة، وعذابهم في النار خالدين فيها؟
فالشخص اليهودي أو النصراني الذي يعيش في مجتمع كله نصارى أو يهود، مؤمن بوجود ربنا، وموحد به، فلماذا يغير ديانته؟ فهذا أمر ليس سهلا؛ فهو يحارب أسرته، ومجتمعه، وأقرباءه، وكل شيء محيط به، فهو ولد هكذا.
وكل دين سماوي، أو أي دين في الدنيا يقول: أنا أحسن دين، ويجب على الناس اتباعي، فما ذنب غير المسلمين؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فليست البيئة، أو النشأة، أو الأسرة، هي العمدة في إيمان المؤمن، أو كفر الكافر، فقد ينشأ الولد في بيت نبي، ويصر هو على الكفر، وقد ينشأ الولي - فضلا عن النبي - في بيت وثني مشرك. وكم من إنسان ولد وعاش وتربى بين المسلمين، ثم ارتد، والعكس بالعكس، وراجع في ذلك للأهمية الفتوى: 311626، وما أحيل عليه فيها. وتجد فيها التنبيه على أن الكافر إنما يستحق العذاب إذا أقيمت عليه الحجة الرسالية، وهي لا تقوم إلا على من بلغته دعوة الإسلام بطريقة يتمكن من فهمها، لا يحول بينه وبينها حائل، وأن هذا يختلف باختلاف الأزمنة، والأمكنة، والأشخاص. 

وعلى ذلك؛ فمن لم تقم عليه الحجة الرسالية، أو لم يعرف حقيقة الإسلام، وكان حريصا على معرفة الحق، ولكن حيل بينه وبين معرفته على وجهه الصحيح، فهذا كفره كفر جهل، وهو الذي نفى الله عنه التعذيب، وحكمه في الآخرة أنه يمتحن في عرصات القيامة، فمن أطاع كان من أهل الجنة، ومن عصى كان من أهل النار.

وأما من سمع بالإسلام فلم يرفع به رأسا، ولم يسع لمعرفة حقيقته أصلا، فهذا كفره كفر إعراض، وهو مستحق للعذاب في الآخرة. وراجع تفصيل ذلك في الفتويين التاليتين: 121195، 59524، هذا أولا.

وثانيا: الحكم بالجنة أو النار ليست إلى أحد من البشر، فلا يحكم فيهما إلا مالكهما سبحانه وتعالى، وقد حكم سبحانه أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، وأما الكافر فمصيره النار. وهذا استحقاق منطقي لا ينكره العقل، وحكم شرعي ثابت بالنقل، فمن ضيع أصل دينه، وكفر - والعياذ بالله - فكيف يستحق دخول الجنة؟! سواء أكفر بالله تعالى، أم بأحد من رسله، أم بشيء من كتبه، وراجع في ذلك الفتويين التاليتين: 174733، 312823.

وأما مسألة المشقة التي يجدها من يغير دينه، فهذا ليس أمرا كليا، فمن الناس من لا يجد تلك المشقة، ولا التعنت، ولا الاضطهاد، كما هو مشاهد الآن في بلاد الغرب.

ومن وجد ذلك، فأجره على قدر مشقته، ولنا في أنبياء الله ورسله الأسوة الحسنة، والقدوة الصالحة، فما جاء أحد منهم بالحق إلا عاداه قومه وكذبوه، فقتل منهم من قتل، وعذب منهم من عذب، وأخرج منهم من أخرج، قال تعالى: كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون [المائدة:70]، وقال سبحانه: ثم أرسلنا رسلنا تترى كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون [المؤمنون:44].

وهكذا فعل مع خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين [الأنفال:30]؛ وبهذا تنال الجنة حيث إقامة العدل، والجزاء الحسن، والنعيم المقيم، قال تعالى: كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب [البقرة:213-214].

ومع ذلك فقد رخص الإسلام الحنيف لمن بلغت به المشقة حد الإكراه المعتبر، أن يعلن الكفر فضلا عن أن يكتم الإيمان، كما قال تعالى: من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم [النحل:106].

وهنا ننبه على أن وصف السائل لليهودي أو النصراني بأنه مؤمن: ليس بصحيح! حتى على فرض أنه لم يشرك بالله شيئا، ولم يدع له الولد! فلا يكون المرء مؤمنا حتى يؤمن بكل ما أوجب الله الإيمان به من الملائكة، والكتب، وجميع الرسل، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، ومعلوم أن هؤلاء لا يؤمنون بكثير من هذا، ولا يؤمنون بالقرآن، ولا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما أن اليهود يكفرون كذلك بالإنجيل الذي أنزله الله، وبعيسى -عليه السلام-، وراجع في ذلك الفتوى: 306148. ولمزيد الفائدة، نرجو الاطلاع على الفتوى: 118616.

والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة