السؤال
كيف كان سلمان الفارسي على دين المسيح الصحيح؟ وكيف يكون أصحاب الدير الذين كان معهم من أصحابه من أهل النار؟ وقد أورد النيسابوري بسنده عن السدي (إن الذين آمنوا والذين هادوا) الآية قال: نزلت في أصحاب سلمان الفارسي؛ لما قدم سلمان على رسول الله جعل يخبر عن عبادة أصحابه واجتهادهم، وقال: يا رسول الله، كانوا يصلون، ويصومون، ويؤمنون بك، ويشهدون أنك تبعث نبيا، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم، قال رسول الله: يا سلمان، هم من أهل النار، فأنزل الله الآية، فسلمان يشهد بأنهم يؤمنون به، فلماذا هم من أهل النار؟ أرجو التوضيح، وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا التفسير المروي عن السدي - إن صح - فليس معناه أن أصحاب سلمان من أهل النار، وإنما معناه: أن الآية نزلت في مدحهم، وإزالة الظن في مصيرهم، والحكم لهم بحسن العاقبة؛ لأنهم قد آمنوا برسلهم، وعزموا على الإيمان بالنبي الذي بشر به موسى، وعيسى، مع عملهم للصالحات. وهذا هو معنى نزول الآية في حقهم، أي: نزلت لتصوب الحكم في حقهم، وتثبت لهم الأجر، وحسن العاقبة، كما قال تعالى: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون [البقرة:62].
وعلى أية حال؛ فهذا تفسير السدي، وليس مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ضعف شيخ الإسلام ابن تيمية هذه الرواية، وأعلها بأن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن ليجيب بما لا علم عنده فيه، وأنه لم يكن عنده علم بأن هؤلاء من أهل النار، فكيف يجيب بذلك أولا؟!
وبأن الروايات الصحيحة عن السدي، وغيره ليس فيها إلا نزول الآية في حقهم، دون الحكم لهم بالنار أولا، فقال في (تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء): الآية عامة تتناول من اتصف بما ذكر فيها قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي يدل عليه لفظ الآية، ويعرف به معناها من غير تناقض، ويعرف به قدرها، ويظهر به مناسبتها لما قبلها وما بعدها، وهذا هو القول المعروف عن السلف وجمهورهم، وعليه يدل ما ذكروه من سبب نزول الآية، فقد روى ابن أبي حاتم، وغيره بالأسانيد الثابتة عن سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: قال سلمان: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل دين كنت معهم، فذكر من صلاتهم وعبادتهم، فنزلت: {إن الذين آمنوا والذين هادوا}، ولم يذكر في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيهم أولا: "إنهم من أهل النار". كما روي ذلك بأسانيد ضعيفة، وهذا هو الصحيح.
كما روي في صحيح مسلم عن عياض بن حمار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب. فدل على أنه حين بعثه الله كان في الأرض بقايا من أهل الكتاب لم يمقتهم الله.
وأيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليجيب بما لا علم عنده، وما كان علم بأن هؤلاء من أهل النار، فكيف يجيب بذلك أولا؟!
وأيضا فقد ثبت عنه أنه أثنى على من مات في الفترة، مثل زيد بن عمرو بن نفيل، وغيره، فكيف يقول عمن كان على الدين الذي لعله لم يبدل ولم ينسخ إنهم من أهل النار؟!
وقد ذكر السدي في تفسيره المعروف عن أشياخه تفسير هذه الآية كما ذكر. والسدي وإن كان من العلماء بالتفسير ... ولكن مجاهد أرفع منه درجة في التفسير وغيره، والعالم قد يغلط فيما يسنده، فكيف بما يرسله، وهذا لا بد له منه. اهـ.
وانظر للفائدة الفتاوى: 337729، 24670، 221065.
والله أعلم.