السؤال
هل صحيح أن الوحي عندما ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، ينزل على قلبه فقط دون سمعه؟ فقد سمعت هذا من مقطع لتعريف القرآن الكريم للشيخ أيمن سويد.
هل صحيح أن الوحي عندما ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، ينزل على قلبه فقط دون سمعه؟ فقد سمعت هذا من مقطع لتعريف القرآن الكريم للشيخ أيمن سويد.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالهيئة المذكورة في السؤال هي إحدى الهيئات التي كان ينزل بها القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أنزل على هيئات متنوعة، ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عائشة أم المـؤمنين -رضي الله عنها- أن الحارث بن هشام -رضي الله عنه- سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الـملك رجلا، فيكلمني فأعي ما يقول. قالت عائشة -رضي الله عنها-: "ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا".
ففي هذا الحديث بين النبي صلى الله عليه وسلم أن لنزول القرآن عليه صورا، والصورة التي جاء بيانها في السؤال هي إحدى هذه الصور، وليست الصورة الوحيدة، فضروب الوحي إذن كثيرة غير ما ذكر في السؤال، قال أبو عمر ابن عبد البر في كتابه: (التمهيد): وإن جبرئيل يأتيني فيكلمني كما يكلم أحدكم صاحبه. قال أبو عمر: هذا على أنه يكلمه جبريل كثيرا بالوحي في الأغلب من أمره. وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها؛ فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل، ودعوا ما حرم. وفي حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: كيف يأتيك الوحي؟ قال: يأتيني الوحي أحيانا في مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني، وقد وعيت ما قال. وقد كان يتراءى له جبريل من السحاب. وكان أول ما ابتدئ من النبوة أنه كان يرى الرؤيا، فتأتي كأنها فلق الصبح. وربما جاء جبريل في صفة إنسان حسن الصورة فيكلمه، وربما اشتد عليه حتى يغط غطيط البكر ويئن، ويحمر وجهه، إلى ضروب كثيرة يطول ذكرها. انتهى.
هذا، وقد اتفق العلماء على أن النبي صلى الله عليه وسلم تلقى القرآن بواسطة المـلك، وأنه لم يكن يتلقاه إلهاما، ولا مناما، قال الشيخ عطية محمد سالم في شرحه للأربعين النووية: وذكروا من أحوال الوحي: أن يكون مناما، وأن ينفث في روعه ويلهم، ولكن اتفقوا على أن القرآن لم يؤخذ مناما، ولا إلهاما، ولا نفثا في الروع، ولا بد أن يتلقاه بواسطة الملك؛ إما أن يأتيه كصلصلة الجرس، وإما أن يأتيه الملك بصورة رجل ويعلم أنه جبريل، ويلقي عليه القرآن الكريم. أما بقية أنواع الوحي، فيمكن أن تأتي بإلهام، ونفث في روعه. انتهى.
وأما الآيات الدالة على نزول القرآن على قلب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنها لا تعارض كونه سمع القرآن من المـلك؛ وذلك لتصريح القرآن في أكثر من موضع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سمع القرآن من المـلك.
وحينئذ يكون معنى نزول القرآن على قلب النبي صلى الله عليه وسلم: أن معاني القرآن قد وصلت إلى قلبه بعد أن سمعه من الملك؛ وبذلك تتآلف الآيات ولا تختلف، قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره: (أضواء البيان): قوله تعالى: {قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله}.
ظاهر هذه الآية أن جبريل ألقى القرآن في قلب النبي صلى الله عليه وسلم من غير سماع قراءة، ونظيرها في ذلك قوله تعالى: {نزل به الروح الأمين على قلبك ...} الآية. ولكنه بين في مواضع أخر أن معنى ذلك أن الملك يقرؤه عليه حتى يسمعه منه، فتصل معانيه إلى قلبه بعد سماعه؛ وذلك هو معنى تنزيله على قلبه، وذلك كما في قوله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه}، وقوله: {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما}. انتهى.
والله أعلم.