تزوجت بشخص واشترط أن يكون على الورق ولم يمسها.. الحكم.. والواجب

0 92

السؤال

أنا امرأة طبيبة، أرملة، عمري 38 عاما. على قدر عال من التدين والجمال، والعائلة المرموقة.
ولدي طفلة عمرها 10 أعوام،
أحبها بشدة. دخل في حياتنا رجل محترم، تعلقت به ابنتي حيث إنه قد أنقذها من حادث، وعالجها، وأتى بها للبيت. ومنذ ذلك الوقت وابنتي تتواصل معه، واعتبرته كأب روحي لها. وقد استأذنني في أن يتواصل معها عندما تريد؛ فوافقت نظرا لأنني رأيت فيه رجلا بمعنى الكلمة، إلى أن جاءت ابنتي وقالت لي: لماذا لا تتزوجي من هذا الرجل يا أمي؟ فأنا أريده أن يعيش معنا كأب. فظللت أفكر في الأمر، فأنا أحترم ذكرى زوجي، فقد تزوجته وكان زميلا بالجامعة، وبيننا ذكريات طيبة، وكانت علاقتنا قوية. والآن أرى في هذا الرجل الحماية والأمان والرجولة والتدين والشرف، وصفات كثيرة؛ مما جعلني أفكر بجدية وعرفت أنه أعزب رغم بلوغه 45 عاما. فهو مهندس ومدير عام في إحدى الشركات الحكومية، وميسور وحسن الخلق والخليقة، إلا أنه ساند أسرته فترة طويلة ماديا ومعنويا بعد وفاة أبيه مبكرا، وظل يرعى أمه حتى توفيت. فما كان مني إلا أن تشجعت وفاتحته بطلب ابنتي، ولكن صدمني رده في أنه أولا لا يمانع بالطبع بالارتباط، ولكنه قال إنه عزف عن الزواج، أو أنه لا يريد الارتباط بالدنيا وبمتاعها، وأنه زهد فيها رغم أنه يمتلكها بالمنصب والنفوذ والمال والصحة، لكنه قرر في ذاته أن يعطي فقط ويزيد من حسناته. وأن الآخرة هي هدفه وهي خير وأبقى. وأنه تعرض لمحن وكروب في حياته، جعلته يعتمد هذا التفكير، وأنه يرى الدنيا صغيرة جدا في عينه؛ لذا فإذا تزوج بي فسيكون زواجا على الورق؛ لكي يكون له شرعية زيارة طفلتي اليتيمة التي تعلقت به بشدة، ولا يريد كسر خاطرها، ولن يكون هناك أي خلوة، أو معاشرة. فقلت له إن ذلك ظلم لنفسك ولي، فهذا حقك وحقي الشرعي. فصدمني ثانية وقال إنه سيتزوج في الآخرة -إن شاء الله- وأنه كان يتمنى أن يتزوج كباقي البشر من امرأة بكر، يكون أول رجل بحياتها، وأنه لن يقبل أن تكون زوجته قد عرفت وعاشرت رجلا قبله. وقال نصا: أنت أحببت وتزوجت، وأخذت حقك من الدنيا وأنجبت، أما هو لا. فقلت له: ما لا يدرك كله، لا يترك كله. فقال إنه تحمل أخطاء أبويه، وتحامل على نفسه، وضحى بأشياء كثيرة، وليس عنده الاستعداد أن يضحي لأحد ثانية، أو يجبر نفسه على قبول وضع غير مناسب له، أو ضد قناعاته.
فما كان مني إلا أن وافقت وتم الزواج على أمل أن أستطيع بسطوتي كأنثى أن أغير تفكيره. ومر عام على الزواج ولم يمسسني.
فماذا أفعل هل أنفصل عنه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإن كان الحال -كما ذكرت- من عزوف هذا الرجل عن الزواج، وتركه إعفاف زوجته مع قدرته؛ زهدا في الدنيا، وإيثارا للآخرة، ورغبة في الاستزادة من الحسنات وفعل الخيرات؛ فهذا مسلك مخالف للشرع الحنيف.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق، وأتقاهم لله، وأزهد الناس في الدنيا، ومع ذلك لم يعرض عن الزواج والاستمتاع بالطيبات.

وأنكر على من أراد أن يترك الزواج طلبا للاجتهاد في العبادة؛ فقد جاء في الحديث الذي رواه البخاري عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم : .... أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني.
فالزواج في الأصل مندوب إليه شرعا، وفيه معنى العبادة.

قال العيني: لأن فيه معنى العبادة؛ فإن النكاح سنة الأنبياء والمرسلين، وفيه تحصيل نصف الدين، وقد تواترت الأخبار والآثار في توعد من رغب عنه، وتحريض من رغب فيه. انتهى من البناية شرح الهداية.
وقال ابن قدامة -رحمه الله- في العمدة: النكاح من سنن المرسلين، وهو أفضل من التخلي منه لنفل العبادة. انتهى.
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم: .. وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر.
وفي صحيح البخاري عن سعد بن أبي وقاص، أنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في فم امرأتك.
قال النووي -رحمه الله- في شرح مسلم: وفيه أن المباح إذا قصد به وجه الله تعالى صار طاعة، ويثاب عليه. وقد نبه صلى الله عليه وسلم على هذا بقوله صلى الله عليه وسلم: حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك....

ويتضمن ذلك أن الإنسان إذا فعل شيئا أصله على الإباحة، وقصد به وجه الله تعالى يثاب عليه، وذلك كالأكل بنية التقوي على طاعة الله تعالى، والنوم للاستراحة؛ ليقوم إلى العبادة نشيطا. والاستمتاع بزوجته وجاريته؛ ليكف نفسه وبصره ونحوهما عن الحرام، وليقضي حقها، وليحصل ولدا صالحا. وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: وفي بضع أحدكم صدقة. انتهى.
وإذا كان زوجك قادرا على الجماع، فالواجب عليه أن يعفك بقدر طاقته وحاجتك.

قال ابن تيمية -رحمه الله- في الفتاوى الكبرى: ويجب على الرجل أن يطأ زوجته بالمعروف، وهو من أوكد حقها عليه، أعظم من إطعامها.

والوطء الواجب قيل: إنه واجب في كل أربعة أشهر مرة، وقيل: بقدر حاجتها وقدرته، كما يطعمها بقدر حاجتها وقدرته، وهذا أصح القولين، والله أعلم. انتهى.
وكونه اشترط ترك المعاشرة الزوجية؛ فهو شرط باطل، لا يسقط به الحق في الإعفاف، على ما نفتي به. 

 قال ابن قدامة -رحمه الله-: القسم الثاني: ما يبطل الشرط، ويصح العقد مثل أن يشترط أن لا مهر لها ..... أو تشترط عليه أن لا يطأها ...........

فهذه الشروط كلها باطلة في نفسها؛ لأنها تنافي مقتضى العقد، ولأنها تتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده فلم يصح. انتهى من المغني مختصرا.
فبيني ذلك لزوجك، وأطلعيه على هذه الفتوى، فإن عاشرك بالمعروف، وأوفاك حقك؛ فاشكري الله وعاشري زوجك بالمعروف.

وإن أصر على ترك المعاشرة؛ فوازني بين بقائك معه على تلك الحال، وبين مفارقته بطلاق أو خلع، واختاري ما فيه أخف الضررين.
 وللمزيد عن حكم هذا الشرط، تراجع الفتوى: 347542

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة