السؤال
أود أولا أن أشكركم على هذا الموقع الرائع، جعله الله في ميزان حسناتكم أجمعين.
عندي سؤال قد حيرني حقيقة، وأرجو من الله أن أصل إلى إجابته من خلالكم. لقد قرأت كثيرا عن شروط جواز جوائز المسابقات التجارية وغيرها، وتطرقت تلك المسائل كثيرا إلى حكم المشتري، في حين لم تتطرق كثيرا إلى حكم البائع في مثل هذه المعاملات.
سؤالي هو: إذا كنت أملك محلا تجاريا، وعملت عرضا كالتالي: "أنه من يشتري سلعة معينة، فسيحصل على تخفيض بنسبة 50% لكل مشترياته من المحل لمدة أسبوع، لكن هذه السلعة مخفية، ومن يصادف شراءها أولا، فهو الفائز".
فهل هذا جائز؟ أم أنه سيدفع بالمتعاملين إلى شراء منتجات لا يريدونها فقط رجاء مصادفة شراء السلعة المخفية لغرض الحصول على الجائزة، ومن ثم يتم اعتبار مثل هذا العرض من قبيل التعاون على الإثم والعدوان؟
وماذا لو أتى عميل واشترى أشياء لم يكن ليشتريها لولا هذا العرض، وعلمت ذلك يقينا 100%. فهل يجوز لي أن أرفض أن أبيعه؛ لأن ذلك حرام عليه، ويكون ذلك من التعاون على الإثم والعدوان؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالفتاوى التي تتعلق بحكم المشتري تتناول في كثير من الأحيان حكم البائع، فما جاز شراؤه على صفة مخصوصة جاز بيعه على هذه الصفة.
وفي بعض الأحيان يكون للبائع حكم عام، ويكون حكم المشتري بحسب قصده، فيفرق بين من يشتري السلعة لحاجته إليها، أو من يكون له غرض فيها، وبين من لا يكون له غرض في السلعة، وإنما يشتريها لمجرد المشاركة في العرض أو المسابقة، وراجع في ذلك الفتويين: 3587، 3817.
وإذا احتملت حال المشتري للأمرين معا، فلا إشكال في جواز معاملته؛ حملا له على الوجه المباح.
وأما في حال التيقن من كونه مقامرا بشرائه ما لا غرض له فيه رغبة في الحصول على الجائزة، فهذا هو الذي ينهى عن معاملته في خصوص هذه المعاملة؛ لما في ذلك من إعانته على المعصية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب إقامة الدليل على إبطال التحليل: المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات والعادات كما هي معتبرة في التقربات والعبادات، فيجعل الشيء حلالا أو حراما، أو صحيحا أو فاسدا، أو صحيحا من وجه فاسدا من وجه، كما أن القصد في العبادة يجعلها واجبة أو مستحبة أو محرمة أو صحيحة أو فاسدة. ودلائل هذه القاعدة كثيرة جدا - فذكر بعضها ومنها عاصر الخمر ومعتصرها، وقال: - وجه الدلالة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن عاصر الخمر ومعتصرها، ومعلوم أنه إنما يعصر عنبا، فيصير عصيرا، ثم بعد ذلك قد يخمر وقد لا يخمر، ولكن لما قصد بالاعتصار تصييره خمرا استحق اللعنة، وذلك إنما يكون على فعل محرم، فثبت أن عصير العنب لمن يتخذه خمرا محرم، فتكون الإجارة عليه باطلة، والأجرة محرمة ... ثم في معنى هؤلاء كل بيع أو إجارة أو هبة أو إعارة تعين على معصية إذا ظهر القصد ... ومعلوم أن هذا إنما استحق اللعنة وصارت إجارته وبيعه باطلا إذا ظهر له أن المشتري أو المستأجر يريد التوسل بماله ونفعه إلى الحرام، فيدخل في قوله - سبحانه وتعالى -: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}. اهـ.
وأما بخصوص الصورة التي ذكرها السائل للمسابقة، فلا نرى فيها ما يوجب المنع، إذا كانت السلعة المخفية وغيرها من سلع المحل، سيباع بمثل ثمنه دون زيادة، فيكون المشتري في مأمن من معنى القمار -وهو: التردد بين الغنم والغرم- بل سيكون مترددا بين الغنم وعدم الغنم، وأما الغرم فهو منه في مأمن؛ لأنه اشترى كل السلع بثمن المثل.
ولكن يبقى إشكال آخر، وهو أن هذه الحوافز أو الجوائز الترويجية، تكيف فقهيا على أنها هبة، وهي هنا مجهولة القدر، لأن مشتريات الفائز لمدة أسبوع مجهولة، وبالتالي تبقى قيمة الخصم (50%) مجهولة. وهبة المجهول لا تصح عند الجمهور، خلافا للمالكية. ولكن الراجح عندنا هو مذهب المالكية، وراجع في ذلك الفتوى: 308056.
والله أعلم.