الجمع بين رزق الله لجميع الدواب وموت بعضها جوعًا

0 24

السؤال

أثناء تصفحي للفيسبوك، وجدت منشورا من شخص ملحد يتهكم بدين الله تعالى، فقد وضع مقسومة قسمين: القسم الأول فيه قول الله تعالى: "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها"، والقسم الثاني فيه صورة لطفل من اليمن الشقيق بنيته ضعيفة جدا، ويأكل من القمامة، وعلق قائلا: كيف أيها المسلمون، تقولون: إن الله عليه رزق كل دواب الأرض، والمئات من الدواب في مشارق الأرض ومغاربها من الناس والحيوانات تموت جوعا، وقالها بصيغة تهكمية، فكيف الرد على مثل هذا؟ وهل قول الله تعالى: "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها" هو إخبار بأن ما ترزق به الدواب هو من عند الله، أم هو تعهد من الذات العلية برزق كل الدواب؟ وإن كان الأخير، فكيف نجمع بينه وبين وفاة بعض الدواب من الجوع؟ أفيدونا -أفادكم الله-.
وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فليس في قوله تعالى: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها [هود:6] وما في معناه أن كل الدواب لا بد أن ترزق بما يكفيها، أو أن يبسط لها في رزقها!

وإنما معناه أن الله تعالى -بقدرته، وعلمه- قد تكفل بأرزاق الخلائق جميعا، على اختلاف أنواعها، فمنهم من يبسط له في رزقه، ومنهم من يقدر عليه فيه، كما قال سبحانه: له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم [الشورى:12]، فيكون المقصود بالآية أن كل أنواع الرزق إنما هي من الله تعالى وحده دون غيره، فيلزم من ذلك إثبات صفات الكمال لله عز وجل، كالعلم، والقدرة، قال الخطيب الشربيني في تفسيره: السراج المنير: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها}، فذكر تعالى أن رزق كل حيوان إنما يصل إليه من الله تعالى، فلو لم يكن عالما بجميع المعلومات؛ لما حصلت هذه المهمات. اهـ.

وقال ابن الجوزي في زاد المسير: إلا على الله رزقها) قال العلماء: فضلا منه، لا وجوبا عليه. وعلى ها هنا بمعنى من. اهـ.

وهذا لا يتعارض مع كون بعض الدواب -كما هو حال البشر-، قد لا يجد ما يسد به رمقه، بل قد يموت جوعا، كما أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد في تفسير هذه الآية، قال: يعني ما جاءها من رزق، فمن الله، وربما لم يرزقها؛ حتى تموت جوعا، ولكن ما كان لها من رزق، فمن الله. اهـ.

وقال البغوي في تفسيره: أي: هو المتكفل بذلك فضلا، وهو إلى مشيئته: إن شاء رزق، وإن شاء لم يرزق.

وقيل: (على) بمعنى (من)، أي: من الله رزقها. اهـ. ثم ذكر تفسير مجاهد. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى: 121291.

ثم بالنسبة لخصوص المكلفين من البشر، هناك ملمح آخر، وهو مبنى التكليف، والتشريع، حيث ابتلاهم الله تعالى بالأمر والنهي، والسراء والضراء؛ استخراجا لعبادتي: الشكر، والصبر، كما يشير إليه قول الله عز وجل: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون [البقرة:155-157].

ثم إن الله تعالى قد أمر الأغنياء بإعطاء الفقراء، والإحسان إليهم، وجعل في مجموع المال ما يكفي الجميع، إن هم امتثلوا لذلك، قال الفتني في مجمع بحار الأنوار: فإن قلت: بعض الفقراء يموتون جوعا، فكيف بالوعد؟

قلت: أغنى الله الأغنياء مما يكفيهم، وجعل فيما أعطاهم حقا لنفسه، وأحال الفقراء عليهم من حقه، فبرئ مما وعده، والعهدة عليهم. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات