السؤال
الله هو الخالق وحده، ولا يجوز اعتقاد وجود خالق غيره، وهو قد خلق من عباده من يخلق أيضا، وقد رأيت فتوى لكم وعلمت أنه يوجد فرق بين خلق الله وخلق البشر، وهو أن الله ينشئ ويخلق من العدم، وأما البشر فلا، فالله خلق التراب ولم يكن هنالك تراب، فأنشأه الله من العدم، والنجار من البشر خلق الكرسي من الخشب الذي خلقه الله، والشبهة التي عندي هي أن الله عز وجل قد خلق أشياء أيضا من ما خلق، كالإنسان خلقه من التراب الذي خلقه هو سابقا، فكيف أفرق بين خلق الله وخلق البشر؛ لأن البشر يخلقون من المواد التي أوجدها الله، والله يخلق من المواد التي خلقها هو؟ وما معنى الخلق؟ وشكرا جزيلا لكم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالله تعالى هو الخالق من العدم، كما أنه تعالى يخلق على غير مثال سبق، وهو -سبحانه- خلق آدم من تراب، ونفخ فيه من روحه، وهو ما ليس في مستطاع أحد غير الله تعالى.
ثم إن ما يخلقه الناس، فالله خالقه على الحقيقة؛ لأن الله خالق كل صانع وصنعته، فالله تعالى خلق الإنسان، فخلق عقله الذي يفكر به، وعينيه اللتين يبصر بهما، ويديه اللتين يعمل بهما، وخلق المواد الذي يصنع منها الأشياء، ثم الإنسان بعد ذلك يحاول أن يصنع شيئا، فتارة ينجح في ذلك وتارة يفشل، والله تعالى يخلق من العدم، ويخلق من أشياء موجودة هو خلقها ما لا يمكن أحدا من البشر فعله، كإحيائه الموتى، فهو سبحانه لا يعجزه شيء أراد أن يخلقه، قال الله تعالى: بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون {البقرة:117}، وقال تعالى: وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير {الأنعام:73}، وقال تعالى: إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون {النحل:40}، وقال تعالى: هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون {غافر:68}.
وأما البشر فقصاراهم أن يحولوا الشيء من صورة إلى أخرى، وفعلهم هذا من تقدير الله وخلقه كذلك، كما قال تعالى: والله خلقكم وما تعملون {الصافات:96}، يقول الشيخ ابن عثيمين: فإن قيل: كيف نجمع بين إفراد الله عز وجل بالخلق، مع أن الخلق قد يثبت لغير الله، كما يدل عليه قول الله تعالى: (فتبارك الله أحسن الخالقين) (المؤمنون:14)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في المصورين: (يقال لهم: أحيوا ما خلقتم)؟
فالجواب على ذلك: أن غير الله تعالى لا يخلق كخلق الله، فلا يمكنه إيجاد معدوم، ولا إحياء ميت، وإنما خلق غير الله تعالى يكون بالتغيير وتحويل الشيء من صفة إلى صفة أخرى، وهو مخلوق لله عز وجل، فالمصور مثلا إذا صور صورة فإنه لم يحدث شيئا، غاية ما هنالك أنه حول شيئا إلى شيء، كما يحول الطين إلى صورة طير، أو صورة جمل، وكما يحول بالتلوين الرقعة البيضاء إلى صورة ملونة، فالمداد من خلق الله عز وجل، والورقة البيضاء من خلق الله عز وجل، هذا هو الفرق بين إثبات الخلق بالنسبة إلى الله عز وجل وإثبات الخلق بالنسبة إلى المخلوق.
وعلى هذا؛ يكون الله سبحانه وتعالى منفردا بالخلق الذي يختص به. انتهى.
والخلق يطلق على معنيين:
أحدهما: الخلق بلا مثال، وهذا الذي يختص به الله تعالى.
والثاني: التقدير، وهو الذي يمكن وصف المخلوق به، قال الألوسي: والخلق الاختراع بلا مثال، ويكون بمعنى التقدير.
وعلى الأول لا يتصف به سواه سبحانه، وعلى الثاني قد يتصف به غيره، ومنه: فتبارك الله أحسن الخالقين [المؤمنون:14]، وإذ تخلق من الطين [المائدة:110].
وقول زهير:
ولأنت تفري ما خلقت وبع ... ض القوم يخلق ثم لا يفري. انتهى.
والله أعلم.