الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أولا: أن أحكام الشرع صادرة من الله العليم الحكيم؛ فهو الذي خلق الخلق، ويعلم ما يصلحهم في دنياهم وأخراهم، فهو القائل: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير {الملك:14}، وحكمته في ذلك قد تدرك، وقد لا تدرك، فعلى المسلم والمسلمة الرضا، والتسليم بذلك على كل حال، قال تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما {النساء:65}. وليس لأحد أن يستدرك على الله سبحانه في شرعه، فقد قال في محكم كتابه: والله يحكم لا معقب لحكمه {الرعد:41}، فالمؤمن أو المؤمنة يسأل ليتعلم، وليمتثل، ويطيع ربه ما استطاع.
ثانيا: ليس صحيحا ما ذكرت من كون الزواج في هذا الزمن ليس في صالح المرأة؛ فهذا الكلام لا يقره الشرع، ولا الواقع، فمن جهة الشرع فإن الزواج تشريع الحكيم الخبير سبحانه، وهو أعلم بما يصلح الناس؛ كما قال تعالى: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير {الملك:14}، ومن جهة الواقع فإن هنالك كثيرا من الأمثلة لحياة زوجية سعيدة، وليس ذلك في مجال العلاقة بين الزوجين فقط، بل وفي العلاقة بين المرأة وأصهارها.
ثالثا: أن الزواج فيه كثير من المصالح الراجحة في كل زمان، وسبق لنا بيان بعض هذه المصالح في الفتوى: 196003. وأوضحنا فيها أن الزواج قد يكون واجبا أحيانا بحيث يأثم تاركه لغير عذر شرعي. ولا يخلو شيء من مفاسد، ولكن لا تترك المصالح الراجحة لمفاسد قد تحدث، وقد لا تحدث، وعلى فرض حدوثها، فمن الممكن السعي في إصلاحها، أو اتقاء آثارها.
رابعا: أن حسن المعاشرة مع الأصهار مطلوب شرعا، وهكذا كانت علاقة النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أصهاره. فإن أمكن أن تكون هذه العلاقة طيبة، فبها ونعمت، فإن لم يمكن ذلك، فيسع المرأة أن تلزم بيتها، وتكتفي بالعلاقة الطيبة بينها وبين زوجها، والمرأة لا يلزمها شرعا أن تسكن مع أهل زوجها، بل لها الحق في أن تكون في مسكن مستقل، وراجعي الفتوى: 66191.
خامسا: صحيح أن المرأة يجب عليها أن تطيع زوجها، فذلك من مقتضى قوامة زوجها عليها، ولكن هذه الطاعة ليست مطلقة، ولكنها مقيدة بضوابط معينة بيناها في الفتوى: 115078.
هذا مع العلم بأن قوامة الزوج على زوجته ليست تشريفا، ولكنها تكليف، ولا تعني تسليط الزوج عليها، ولكنها من أجل الترتيب، وحسن التدبير لتكون الأسرة مستقرة، ومما يعين على ذلك التعاون بين الزوجين، وفهم الحياة الزوجية على أنها تكامل بينهما. وانظري الفتوى: 16032.
سادسا: أن عموم النصوص التي تحذر من الظلم لا شك في أنها شاملة للرجال إن هم ظلموا زوجاتهم أو أحدا من أولادهم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هنالك نصوصا خاصة تتوعد الأزواج إن أقدموا على ظلم الزوجات، ومن ذلك قوله عز وجل: فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا {النساء:34}، قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: إن كنتم تقدرون عليهم، فتذكروا قدرة الله، فيده بالقدرة فوق كل يد، فلا يستعلي أحد على امرأته، فالله بالمرصاد. اهـ.
وثبت في سنن أبي داود عن إياس بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم.
ثم إن المرأة إن كانت مظلومة، فلها أن ترفع أمرها للقضاء لينصفها من زوجها.
وفي سنن أبي داود والترمذي عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل.
سابعا: كما ذكرت، فإن الشرع الحكيم قد بين كيفية علاج نشوز الزوجة، وكيفية علاج نشوز الزوج.
وينبغي أن تعلمي أن من أهل العلم من أجاز للزوجة هجر زوجها إن كان الظالم لها، فلا تعتبر ناشزا في هذه الحالة، كما بينا في الفتوى: 129984.
والله أعلم.