السؤال
أنا شخص أعاني من كسل شديد في الوضوء؛ لدرجة أني أصلي كل الصلوات بوضوء واحد.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فصلاة أكثر من فرض بوضوء واحد جائز، ما لم ينتقض الوضوء، ولكن المستحب تجديد الوضوء لكل صلاة، وبه تعلم أن ما تفعله لا إثم فيه، وإن كان خلاف السنة، وقد حرر الشوكاني هذه المسألة، فقال في نيل الأوطار: واختلفوا هل الوضوء فرض على كل قائم إلى الصلاة أم على المحدث خاصة؟
فذهب ذاهبون من السلف إلى أن الوضوء لكل صلاة فرض، بدليل قوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة} [المائدة:6] الآية.
وذهب قوم إلى أن ذلك قد كان ثم نسخ. وقيل: الأمر به على الندب. وقيل: لا، بل لم يشرع إلا لمن يحدث، ولكن تجديده لكل صلاة مستحب. قال النووي حاكيا عن القاضي: وعلى هذا أجمع أهل الفتوى بعد ذلك، ولم يبق بينهم خلاف، ومعنى الآية عندهم: إذا قمتم محدثين، وهكذا نسبه الحافظ في الفتح إلى الأكثر، ويدل على ذلك ما أخرجه أحمد، وأبو داود عن عبد الله بن حنظلة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة -طاهرا كان أو غير طاهر-، فلما شق عليه، وضع عنه الوضوء إلا من حدث. ولمسلم من حديث بريدة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر: إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله، فقال: عمدا فعلته، أي: لبيان الجواز، واستدل الدارمي في مسنده على ذلك بقوله -صلى الله عليه وسلم-: لا وضوء إلا من حدث، فالحق استحباب الوضوء عند القيام إلى الصلاة.
وما شكك به صاحب المنار في ذلك غير نير؛ فإن الأحاديث مصرحة بوقوع الوضوء منه -صلى الله عليه وسلم- لكل صلاة إلى وقت الترخيص، وهو أعم من أن يكون لحدث ولغيره، والآية دلت على هذا، وليس فيها التقييد بحال الحدث، وحديث: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء، ومع كل وضوء بسواك عند أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعا من أعظم الأدلة على المطلوب، وسيذكر المصنف هذا الحديث في باب: فضل الوضوء لكل صلاة، وقد أخرج الجماعة إلا مسلما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ عند كل صلاة، زاد الترمذي: (طاهرا أو وغير طاهر)، وفي حديث عدم التوضؤ من لحوم الغنم دليل على تجديد الوضوء على الوضوء؛ لأنه حكم -صلى الله عليه وسلم- بأن أكل لحومها غير ناقض، ثم قال للسائل عن الوضوء: (إن شئت).
وقد وردت الأحاديث الصحيحة في فضل الوضوء، كحديث: ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء أخرجه مسلم، وأهل السنن من حديث عقبة بن عامر. وحديث: (أنها تخرج خطاياه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء) عند مسلم، ومالك، والترمذي من حديث أبي هريرة. وحديث: من توضأ نحو وضوئي هذا، غفر له ما تقدم من ذنبه، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة أخرجه الشيخان من حديث عثمان. وحديث: إذا توضأت اغتسلت من خطاياك كيوم ولدتك أمك عند مسلم، والنسائي من حديث أبي أمامة، وغير ذلك كثير.
فهل يجمل بطالب الحق الراغب في الأجر أن يدع هذه الأدلة التي لا تحتجب أنوارها على غير أكمه، والمثوبات التي لا يرغب عنها إلا أبله، ويتمسك بأذيال تشكيك منهار، وشبهة مهدومة هي مخافة الوقوع بتجديد الوضوء لكل صلاة من غير حدث في الوعيد الذي ورد في حديث: فمن زاد فقد أساء، وتعدى، وظلم بعد أن تتكاثر الأدلة على أن الوضوء لكل صلاة عزيمة، وأن الاكتفاء بوضوء واحد لصلوات متعددة رخصة، بل ذهب قوم إلى الوجوب عند القيام للصلاة، كما أسلفنا.
دع عنك هذا كله، هذا ابن عمر يروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ على طهر، كتب الله له به عشر حسنات أخرجه الترمذي، وأبو داود، فهل أنص على المطلوب من هذا، وهل يبقى بعد هذا التصريح ارتياب؟ انتهى.
فظهر به أهمية تجديد الوضوء، وأنه من القرب العظيمة، وإن لم يكن واجبا.
والله أعلم.