الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد قال القسطلاني في إرشاد الساري: اتباعهم لمن يعبدونه حينئذ باستمرارهم على الاعتقاد فيهم، أو بأن يساقوا إلى النار قهرا. اهـ.
والظاهر هو الثاني من أنهم يساقون قهرا، لا استمرارا على اعتقادهم؛ لما ذكره السائل من أنهم عرفوا بطلان ذلك في قبورهم، ولما سيأتي أيضا!
فالصواب: أن اتباعهم للشمس والقمر ليس على وجه العبادة والاعتقاد، وإنما امتثال للأمر الذي لا محيد لهم عنه! وتكون حقيقة الحال أنهم يساقون بذلك إلى جهنم على رغم أنوفهم، كما قال تعالى: احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون. من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم [الصافات:22-23]، وقال محمد الأمين الهرري في شرح صحيح مسلم: (فيقول) لهم حين أراد فصل القضاء: (من كان يعبد) دون الله (شيئا) من المعبودات (فليتبعه) إلى النار، أي: فليلحقه إلى النار. اهـ.
وقد روى البخاري ومسلم حديث أبي سعيد هذا برواية أخرى، بلفظ: إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن: تتبع كل أمة ما كانت تعبد، فلا يبقى من كان يعبد غير الله من الأصنام، والأنصاب، إلا يتساقطون في النار ... الحديث.
وفي رواية للبخاري: ينادي مناد: ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم.
والمقصود: أن الأمر باتباع كل عابد لمعبوده، إنما هو من باب تولية المرء هناك ما تولاه هنا في الدنيا؛ قياما بالقسط، وإقامة للعدل، وإظهارا للحق، وفصلا بين الناس، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وقع في حديث ابن مسعود: "ثم ينادي مناد من السماء: أيها الناس، أليس عدل من ربكم الذي خلقكم وصوركم ورزقكم ثم توليتم غيره أن يولي كل عبد منكم ما كان تولى؟ فيقولون: بلى. ثم يقول: لتنطلق كل أمة إلى من كانت تعبد. اهـ. ولمزيد الفائدة، انظر الفتوى: 133745.
وأما السؤال عن حال المؤمنين الذين يعلمون بشأن هذا الحديث حين يأتيهم الله تعالى على الصورة الأولى، فجوابه: أنه ليس من المستغرب أن يعزب العلم عن صاحبه في مثل هذا الموقف الشديد! ثم إن الحديث فيه أن الله تعالى يأتيهم "في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة" رواه البخاري. أو: في صورة غير صورته التي يعرفون. رواه مسلم. ولكن ليس فيه بيان، أو وصف لهذه الصورة الأخرى، ومن ثم؛ فلا غرابة في ألا يعرفوها.
ثم إن المؤمنين يرقبون علامة ينتظرون ظهورها، وهي ما دل عليه قوله تعالى: يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود .. [القلم:42]، وقد جاء في الحديث: فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، لا نشرك بالله شيئا -مرتين أو ثلاثا- حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق، فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه، إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه، ثم يرفعون رؤوسهم، وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة، فقال: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا .. الحديث. رواه مسلم.
وفي حديث ابن مسعود: فيتمثل لهم الرب عز وجل، فيقول لهم: ما لكم لم تنطلقوا كما انطلق الناس؟ فيقولون: إن لنا ربا ما رأيناه بعد، فيقول: فبم تعرفون ربكم إن رأيتموه؟ قالوا: بيننا وبينه علامة إن رأيناه عرفناه، قال: وما هي؟ قالوا: {يكشف عن ساق}، فيكشف عند ذلك عن ساق، فيخر كل من كان يسجد طائعا ساجدا .. الحديث رواه ابن راهويه في مسنده، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا، والطبراني، والآجري في الشريعة، والدار قطني في الرؤية، والحاكم، وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث، كما في الدر المنثور، وعزاه ابن حجر في المطالب العالية لابن راهويه في مسنده، وقال: هذا إسناد صحيح متصل، رجاله ثقات.
وقال المنذري في الترغيب: أحد طرق الطبراني صحيح ... وهو في مسلم بنحوه، باختصار عنه.
وقال الهيثمي في المجمع: رواه كله الطبراني من طرق، ورجال أحدها رجال الصحيح، غير أبي خالد الدالاني، وهو ثقة.
وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: روي بإسناد جيد من حديث عبد الله بن مسعود.
والله أعلم.