مذاهب العلماء في فتح محل يضر بالجيران

0 40

السؤال

أتمنى من سيادتكم الرد على سؤالي.
1- قام جيران لنا في الشارع المقابل لنا بإنشاء ورشة نجارة منذ ما يقارب 20 عاما حتى الآن، وتسبب وجود هذه الورشة في الضرر من إزعاج وضوضاء، ومرور السيارات بالشارع أمام منزلنا باستمرار، وعرض هذا الشارع لا يتعدى الخمسة أمتار، فضلا عن طبيعة عمل تلك الورشة، والتي يقوم أصحابها برش الموبيليا بمواد كيميائية ضارة ومؤذية، مثل التينر.
وقد اشتكينا لهم ولغيرهم مرارا وتكرارا، ولم تحل المشكلة بشكل جذري، ولما ضقنا ذرعا اتجهنا إلى القانون، وتقدمنا بشكاوى ضد الورشة، وقد أثبت القانون أنهم كانو يسرقون الكهرباء، ويرشون مواد كيميائية مضرة بالإنسان والبيئة، وتسبب أمراضا بالجهاز التنفسي، وصدر عليها قرار بالإغلاق من الجهات المختصة، ولكنهم تلاعبوا، وتحايلوا على القانون، وما زالت تلك الورشة تعمل، وكل حجتهم أنها مصدر رزقهم، وبعض الجيران الآخرون لا يرون وجودها مضرا لهم، ولكن لو اعتبرنا أننا الوحيدون في المنطقه المتضررون من وجود الورشة، وأننا ندعي عليهم أن وجود الورشة في الشارع يسبب لنا ضررا فعليا، كما أن العمال بتلك الورشة يمارسون بعض أعمالهم بالشارع المقابل لبيتنا مباشرة، ويبعد عنا حوالي 60 مترا، مما يجعل حرمة بيتنا تحت أنظارهم إذا ما فتحت الأبواب أو الشبابيك. فما هو حكم الله، وحكم الإسلام؟
2- يوجد منزل خلف منزلنا مباشرة، ويوجد به مكان لتربية المواشي من الجاموس والأبقار، ومعظم الوقت تقوم تلك البهائم بإصدار أصوات احتكاك، وتصادم بالحديد والجدران المربوطة بها، مما يؤرق علينا نومنا، ويسبب لنا إزعاجا وقلقا قد يمنعنا من النوم، أو يوقظنا في أوقات متفاوتة من الليل. فما حكم الله والإسلام؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فبصفة عامة، فإن الجار منهي عن أذية جاره، مأمور بالإحسان إليه. وفي الوقت نفسه فإن مالك الدار، أو المحل له أن يتصرف في ملكه بأي وجه مباح من أوجه المنفعة.

والجمع بين هذين الأصلين يكون بتقييد تصرف المالك بما يزيل الضرر المحدث عن الجار، إذا كان الضرر ليس بيسير ولا معتاد، وتقدير ذلك وتفصيله محل خلاف بين أهل العلم، ولذلك فإذا وقع النزاع والخصومة في ذلك يكون القضاء هو الفصل فيها، سواء من ناحية الترجيح والاختيار من أقوال الفقهاء، أو ناحية تقدير الضرر والنظر في طريقة رفعه. ويتأكد ذلك مع تقادم العهد، وطول المدة.

قال ابن قدامة في المغني: وليس ‌للرجل ‌التصرف ‌في ‌ملكه تصرفا يضر بجاره، نحو أن يبني فيه حماما بين الدور، أو يفتح خبازا بين العطارين، أو يجعله دكان قصارة يهز الحيطان ويخربها، أو يحفر بئرا إلى جانب بئر جاره يجتذب ماءها. وبهذا قال بعض أصحاب أبي حنيفة. وعن أحمد رواية أخرى: لا يمنع. وبه قال الشافعي وبعض أصحاب أبي حنيفة؛ لأنه تصرف في ملكه المختص به، ولم يتعلق به حق غيره، فلم يمنع منه، كما لو طبخ في داره، أو خبز فيها، وسلموا أنه يمنع من الدق الذي يهدم الحيطان وينثرها. ولنا: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا ضرر ولا ضرار". ولأن هذا إضرار بجيرانه، فمنع منه، كالدق الذي يهز الحيطان وينثرها، وكسقي الأرض الذي يتعدى إلى هدم حيطان جاره، أو إشعال نار تتعدى إلى إحراقها. قالوا: هاهنا تعدت النار التي أضرمها، والماء الذي أرسله، فكان مرسلا لذلك في ملك غيره، فأشبه ما لو أرسله إليها قصدا. قلنا: والدخان هو أجزاء الحريق الذي أحرقه، فكان مرسلا له في ملك جاره، فهو كأجزاء النار والماء. وأما دخان الخبز والطبيخ، فإن ضرره يسير، ولا يمكن التحرز منه، وتدخله المسامحة. اهـ. 

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: من أحكام الملك التام أنه يعطي المالك ولاية التصرف في المملوك على الوجه الذي يختار، كما يمنع غيره من التصرف فيه من غير إذنه ورضاه، وهذا لا يكون إلا عندما يخلو الملك من أي حق عليه للآخرين. ولكن هذا الحكم قد يقيد بسبب الجوار لتجنب الإضرار بالجار. وقد اختلف الفقهاء في تقييد الملك لتجنب الإضرار بالجار. فذهب المالكية والحنابلة والحنفية فيما عليه الفتوى عندهم إلى أن المالك لا يمنع من التصرف في ملكه إلا إذا نتج عنه إضرار بالجار، فإنه يمنع عندئذ مع الضمان؛ لما قد ينتج من الضرر.
وقيد الحنفية والمالكية الضرر بأن يكون بينا، وحد هذا الضرر عندهم أنه: كل ما يمنع الحوائج الأصلية يعني المنفعة الأصلية المقصودة من البناء كالسكنى، أو يضر بالبناء أي يجلب له وهنا، ويكون سبب انهدامه.
وذهب الشافعية إلى أن كل واحد من الملاك له أن يتصرف في ملكه على العادة في التصرف، وإن تضرر به جاره أو أدى إلى إتلاف ماله، كمن حفر بئر ماء أو حش فاختل به جدار جاره، أو تغير بما في الحش ماء بئره؛ لأن في منع المالك من التصرف في ملكه مما يضر جاره ضررا لا جابر له، فإن تعدى بأن جاوز العادة في التصرف ضمن ما تعدى فيه لافتياته. والأصح: أنه يجوز للشخص أن يتخذ داره المحفوفة بمساكن حماما وطاحونة ومدبغة وإصطبلا وفرنا، وحانوته في البزازين حانوت حداد وقصار ونحو ذلك، كأن يجعله مدبغة، إذا احتاط وأحكم الجدران إحكاما يليق بما يقصده؛ لأنه يتصرف في خالص ملكه وفي منعه إضرار به. والثاني: المنع للإضرار به. اهـ. 

وما ذكره السائل مما تسبب فيه جيرانه من: الازعاج والضوضاء، واستعمال مواد كيميائية ضارة ومؤذية، وتعريض حرمة البيت لنظر العمال، وحركة الحيوانات المزعجة المانعة من النوم في الليل والنهار، كل هذا نراه ضررا غير معتاد تجب إزالته، وتحرم أذية الجار به، وقد تأكد هذا بصدور قرار الإغلاق من الجهات المختصة! 

وقد نص كثير من الفقهاء على المنع من مثل ذلك، ولاسيما في مذهب المالكية، وتجد ذلك عند قول خليل مختصره: وبمنع دخان: كحمام، ورائحة: كدباغ، وأندر قبل بيت، ومضر بجدار، وإصطبل أو حانوت قبالة باب. اهـ. 

وقد عقد ابن فرحون في تبصرة الحكام فصلا في نفي الضرر وسد الذرائع، ومما قال فيه: أما الضرر فمثل ما يحدث الرجل في عرصته مما يضر بجيرانه من بناء حمام، أو فرن للخبز، أو لسبك ذهب أو فضة، أو كير لعمل الحديد ... ويمنع الرجل من إحداث إصطبل للدواب عند باب جاره بسبب بولها، وزبلها، وحركتها ليلا ونهارا، ومنعها الناس من النوم، وكذلك الطاحون، وكير الحداد، وشبهه. اهـ.

وراجع للفائدة الفتويين: 354682، 94235.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة