السؤال
كنت أقرأ سورة البقرة، ولكن وقفت عند آيتين، وأريد أن أفهم شيئا، وأعلم أنه ينقصني شيء لا أعلمه، وعندما لم أجد إجابة بدأ الشيطان يوسوس لي أني أشك في هذه الآيات، ولكن أنا أريد أن أفهم فقط، ولكن أنا مؤمن بكل آية، وبكل حرف في القرآن الكريم، ولكن زادت علي الوساوس من بعد هذه اللحظة في حقيقة القرآن. فأرجو الرد على سؤالي.
وهو: في سورة البقرة آية رقم: (13) التي تقول: (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون).
إذا كان رد المنافقين في وجه المؤمنين الذين يدعونهم إلى الإسلام هكذا، فكيف في الآية التي تجيء بعدها، وهي الآية رقم: (14) التي تقول (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون). فكيف يقولون في وجه المؤمنين أنهم مؤمنون معهم، وهم أظهروا أنهم كافرون في الآية رقم: (13) فكيف يكونون منافقين، وهم أظهروا وقالوا أنؤمن كما آمن السفهاء؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقوله تعالى: وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء [البقرة: 13]. ليس فيه إظهار المنافقين لسرائرهم، وما خفي من أحوالهم للمسلمين، لأن هذا إنما كانوا يقولونه فيما بينهم في الخفاء، أو عند من لا يفشي سرهم من المسلمين، أو يقولون عند المسلمين ما يقتضيه دون تصريح به.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: هذا القول إنما كانوا يقولونه في خفاء، فأطلع الله عليه نبيه والمؤمنين. اهـ.
وكذلك قال البغوي والقرطبي والخازن وغيرهم من المفسرين.
وقال الواحدي في التفسير البسيط: إن قيل: كيف يصح النفاق مع المجاهرة بقولهم: {أنؤمن كما آمن السفهاء}؟ قيل: إنهم كانوا يظهرون هذا القول فيما بينهم، لا عند المؤمنين؛ لأن الله تعالى قد قال: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا} أو أنهم لم يفصحوا بهذا القول، وإنما أتوا بما يفهم عنهم به هذا المعنى، ولا يقوم به حجة توجب الحكم من جهة المشاهدة، كقوله تعالى: {ولتعرفنهم في لحن القول} [محمد: 30]، وهو خلاف الإفصاح. اهـ.
وقال الرازي في مفاتيح الغيب: القائل: {آمنوا كما آمن الناس} إما الرسول أو المؤمنون، ثم كان بعضهم يقول لبعض: أنؤمن كما آمن سفيه بني فلان، وسفيه بني فلان، والرسول لا يعرف ذلك. اهـ.
وقال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ليس في هاته الآية دليل على حكم الزنديق إذا ظهر عليه وعرفت زندقته، إثباتا ولا نفيا؛ لأن القائلين لهم آمنوا كما آمن الناس هم من أقاربهم أو خاصتهم من المؤمنين الذين لم يفشوا أمرهم. فليس في الآية دليل على ظهور نفاقهم للرسول بوجه معتاد، ولكنه شيء أطلع عليه نبيئه، وكانت المصلحة في ستره، وقد اطلع بعض المؤمنين عليه بمخالطتهم وعلموا من النبيء -صلى الله عليه وسلم- الإعراض عن إذاعة ذلك. اهـ.
ثم إن من المفسرين من حمل هذه الآيات على اليهود، لا على المنافقين. قال البغوي في معالم التنزيل: {وإذا قيل لهم} أي: للمنافقين. وقيل: لليهود، {آمنوا كما آمن الناس}: عبد الله بن سلام وغيره من مؤمني أهل الكتاب، وقيل: كما آمن المهاجرون والأنصار. اهـ.
وقال ابن الجوزي في زاد المسير: وفي الإيمان الذي دعوا إليه قولان، أحدهما: أنه التصديق بالنبي، وهو قول من قال: هم اليهود. والثاني: أنه العمل بمقتضى ما أظهروه، وهو قول من قال: هم المنافقون. اهـ.
والله أعلم.