الجمع بين ما ثبت استحباب صيامه وصيام داود، وهل كان رسول الله يصوم صيام دواد؟

0 23

السؤال

أنا أصوم صيام سيدنا داود -عليه السلام-، وقد ورد أن رسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى نقول: لا يفطر، وكان يفطر حتى نقول: لا يصوم، فكيف أوفق بينهما؟ وكيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصوم شهر الله المحرم وشهر شعبان؟ وكيف أوفق بين صيام سيدنا داود -عليه السلام- وصيامهما؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فنسأل الله أن يعينك على صومك، وأن يتقبله منك.

وأما ما سألت عنه، فجوابه أن أفضل الصيام التطوعي هو صيام داود -عليه السلام-؛ لثبوت ذلك بالنص الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في قوله عن عبد الله بن عمرو: .. فصم يوما وأفطر يوما؛ فذلك صيام داود -عليه السلام-، وهو أفضل الصيام، فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك. رواه البخاري.

قال ابن حجر -رحمه الله- في قول النبي صلى الله عليه وسلم: أحب الصيام إلى الله صيام داود. قال: يقتضي ثبوت الأفضلية مطلقا. انتهى. 

وقد بين المناوي في "فيض القدير" الحكمة من هذا الصوم بقوله: فهو أفضل من صوم الدهر؛ لأنه أشق على النفس بمصادفة مألوفها يوما، ومفارقته يوما. اهـ. 

ولو كان قصدك كيف تجمع بين ما ثبت استحباب صيامه من الأيام عن النبي صلى الله عليه وسلم كيوم عرفة ويوم عاشوراء، مع صيام داود؟

 فلا يتنافى ذلك، والجمع بين الفضيلتين ممكن، ولو عرض أحد تلك الأيام في يوم يوافق فطرك، فيمكنك صيامه، يقول زكريا الأنصاري -رحمه الله تعالى- في الغرر البهية-: ولو صادف يوم فطره (الشخص الذي يصوم يوما ويفطر يوما) ما يسن صومه -كعرفة، وعاشوراء-، فالأفضل صومه، ولا يكون صومه مانعا من فضل صوم يوم وفطر يوم. انتهى.

وأما صيامه صلى الله عليه وسلم لشهر الله المحرم، وشهر شعبان، فهو محمول على أنه كان يصوم أكثر الشهر، وأطلق الكل على البعض، وهذا سائغ، قال الزرقاني في شرحه على الموطأ: ويؤيده قول عائشة في مسلم، والنسائي: "ولا صام شهرا كاملا قط منذ قدم المدينة غير رمضان"، وهو مثل حديث ابن عباس في الصحيحين. وجمع أيضا بأن قولها: "كان يصوم شعبان كله" محمول على حذف أداة الاستثناء والمستثنى، أي: إلا قليلا منه. ويدل عليه رواية عبد الرزاق بلفظ: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صياما منه في شعبان؛ فإنه كان يصومه كله إلا قليلا، وهذا يرجع في المعنى إلى الجمع الأول. اهـ.

وهكذا سرده للصيام أحيانا، وتركه له أحيانا، فهو بحسب أحواله، قال ابن الملقن: إنما كان يوقع العبادة على قدر نشاطه وفراغه من جهاده، وأسفاره، فيقل مرة، ويكثر أخرى. اهـ.

وأما مسألة إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من الصيام في بعض الشهور، وعدم فعله لصيام كصيام داود.

فالجواب عنه أن تلك الأفضلية المطلقة لصيام داود، هي في حق غيره صلى الله عليه وسلم، وكم من عبادة اختار الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته فيها غير ما اختار لنفسه، مثل حجه صلى الله عليه وسلم قارنا، مع أمره لمن لم يسق الهدي بالتمتع، فالذي يختاره لنفسه أفضل له، والذي يختاره لأمته أفضل لأمته. 

وعليه؛ فلو أردت الأفضل في حقك، فهو أن تصوم كصيام داود.  

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة