السؤال
أعلم أن الناس جميعا مفطورون على الإسلام، لكني قرأت في الفتوى: 42971 (تاريخ انقسام الشعوب وتعدد اللغات): "وقد فطر الله تعالى البشر على الاختلاف في المذاهب، والآراء، والعقائد، ولو شاء لجعلهم شعبا واحدا، وأمة واحدة متفقة متحدة"، فلم أفهم الأمر، فأفيدوني -جزاكم الله خيرا-.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن جميع البشر قد ولدوا على الفطرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء. متفق عليه.
والفطرة هنا -كما قال أهل العلم- معناها: التهيؤ لقبول الإسلام، والدين الحق، والبقاء عليه لو ترك الإنسان عليه من غير انحراف، ولا ضلال، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ولا يلزم من كونهم مولودين على الفطرة، أن يكونوا حين الولادة معتقدين للإسلام بالفعل. فإن الله أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا، ولكن سلامة القلب وقبوله وإرادته للحق: الذي هو الإسلام، بحيث لو ترك من غير مغير، لما كان إلا مسلما. وهذه القوة العلمية العملية التي تقتضي بذاتها الإسلام، ما لم يمنعها مانع: هي فطرة الله التي فطر الناس عليها. اهـ.
وقال ابن رجب في جامع العلوم، والحكم: فالإنسان يولد مفطورا على قبول الحق، فإن هداه الله، سبب له من يعلمه الهدى، فصار مهتديا بالفعل بعد أن كان مهتديا بالقوة. وإن خذله الله، قيض له من يعلمه ما يغير فطرته، كما قال صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة. اهـ.
وقد ذكرنا معنى الفطرة، وبعض كلام أهل العلم على الحديث السابق، وذلك في الفتويين: 214030، 360664.
لكن كون الناس مولودين على الفطرة، لا يعني أنهم سيكونون كلهم مسلمين، بل شاء الله تعالى أن يكونوا مختلفين في الأديان، والمذاهب، كما قال تعالى: ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك [هود: 119]، قال ابن عطية في تفسيره: المعنى: لجعلهم أمة واحدة مؤمنة -قاله قتادة- حتى لا يقع منهم كفر، ولا تنزل بهم مثلة، ولكنه عز وجل لم يشأ ذلك، فهم لا يزالون مختلفين في الأديان والآراء والملل- هذا تأويل الجمهور-، وقال الحسن أيضا: لا يزالون مختلفين في الغنى والفقر. قال القاضي أبو محمد: وهذا قول بعيد معناه من معنى الآية. اهـ باختصار.
والله أعلم.