سبب قراءة أبي بكر قوله تعالى، ربنا لا تزغ قلوبنا... في الركعة الثالثة من المغرب

0 56

السؤال

قرأت أن أبا بكر الصديق كان زمن المرتدين يقنت لنفسه في صلاته فيتلو (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا).
فهل هذا يعني أن أبا بكر -رضي الله عنه- كان يقنت في كل صلواته أو بعضها؟ وهل هو قنوت النوازل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن المروي عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- هو قراءة هذه الآية في الركعة الثالثة من صلاة المغرب، لا في الصلوات كلها.

فقد أخرج مالك في الموطأ: عن أبي عبيد , مولى سليمان بن عبد الملك، أن عبادة بن نسي أخبره، أنه سمع قيس بن الحارث، يقول أخبرني أبو عبد الله الصنابحي أنه: قدم المدينة في خلافة أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- فصلى وراء أبي بكر المغرب, فقرأ أبو بكر في الركعتين الأوليين بأم القرآن، وسورة: سورة من قصار المفصل، ثم قام في الركعة الثالثة، فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد تمس ثيابه، فسمعته قرأ بأم القرآن وهذه الآية: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}.

وقد حمل جمع من العلماء هذا الأثر على أنه كان من باب الدعاء والقنوت، وليس من باب القراءة، بينما استدل به بعض العلماء لمشروعية زيادة القراءة على الفاتحة في غير الركعتين الأوليين.

قال ابن عبد البر في الاستذكار: وأما قول أبي بكر في الركعة الثالثة من المغرب (ربنا لا تزغ قلوبنا) الآية. فإنما هو ضرب من القنوت والدعاء؛ لما كان فيه من أمر أهل الردة، والقنوت جائز في المغرب عند جماعة من أهل العلم، وفي كل صلاة أيضا .اهـ.

وقال الباجي في المنتقى شرح الموطأ: وقوله: فقرأ بأم القرآن، وبهذه الآية {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} [آل عمران: 8] يحتمل أن يكون أبو بكر دعا بهذه في آخر الركعة على معنى الدعاء لمعنى تذكره، أو خشوع حضره، لا على معنى أنه قرن قراءته تلك بقراءة أم القرآن على حسب ما تقرن بها قراءة السورة في الركعتين الأوليين. اهـ.

وجاء في المغني لابن قدامة: لا تسن زيادة القراءة على أم الكتاب في الركعتين غير الأوليين. قال ابن سيرين: لا أعلمهم يختلفون في أنه يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب. وروي ذلك عن ابن مسعود وأبي الدرداء، وجابر، وأبي هريرة، وعائشة رواه إسماعيل بن سعيد الشالنجي عنهم بإسناده، إلا حديث جابر فرواه أحمد، وهو قول مالك وأبي حنيفة.

واختلف قول الشافعي؛ فمرة قال كذلك، ومرة قال: يقرأ بسورة مع الفاتحة في كل ركعة، وروي ذلك عن ابن عمر. لما روى الصنابحي قال: صليت خلف أبي بكر الصديق المغرب، فدنوت منه حتى إن ثيابي تكاد تمس ثيابه، فقرأ في الركعة الأخيرة بأم الكتاب، وهذه الآية {ربنا لا تزغ قلوبنا} [آل عمران: 8].

ولنا: حديث أبي قتادة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين بأم الكتاب وسورتين، وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب، ويسمعنا الآية أحيانا وكتب عمر إلى شريح: أن اقرأ في الركعتين الأوليين بأم الكتاب وسورة، وفي الأخريين بأم الكتاب.

وما فعله الصديق -رحمه الله- إنما قصد به الدعاء، لا القراءة؛ ليكون موافقا لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبقية أصحابه، ولو قدر أنه قصد بذلك القراءة، فليس بموجب ترك حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وفعله، ثم قد ذكرنا مذهب عمر وغيره من الصحابة بخلاف هذا.

فأما إن دعا إنسان في الركعة الآخرة بآية من القرآن مثل ما فعل الصديق، فقد روي عن أحمد أنه سئل عن ذلك؟ فقال: إن شاء قاله، ولا ندري أكان ذلك قراءة من أبي بكر، أو دعاء؟ فهذا يدل على أنه لا بأس بذلك؛ لأنه دعاء في الصلاة، فلم يكره، كالدعاء في التشهد .اهـ.

والدعاء بهذه الآية ليس من قنوت النوازل، لأنه ليس فيه دعاء برفع نازلة، قال النووي في منهاج الطالبين: ويشرع القنوت في سائر المكتوبات للنازلة. اهـ.

قال الشرواني في حاشية تحفة المحتاج: (للنازلة) أي لرفعها .اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة