السؤال
أعلم أن الله يغفر الذنوب جميعا، وأن الشرك الذي هو أعظم الذنوب يمكن التوبة منه، هل آكل الربا له توبة مرة أخرى؟ قال تعالى: "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون".
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فآكل الربا -كغيره من أصحاب الذنوب والكبائر-، تقبل توبته، إذا جاء بها مستوفية لشروطها، مهما تكرر منه الذنب.
وأما الآية، وهي قوله تعالى: ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون {البقرة:275}، فالمراد بها من عاد إلى استحلال الربا، واعتقاد أنه مثل البيع، ومات على ذلك؛ فهو كافر مخلد في النار.
وأما آكل الربا بغير استحلال؛ فهو من أصحاب الكبائر وهو تحت المشيئة، والتائب مغفور له، إذا استوفت توبته شروطها، قال الألوسي في تفسير الآية: ومن عاد: أي: رجع إلى ما سلف ذكره من فعل الربا، واعتقاد جوازه، والاحتجاج عليه بقياسه على البيع.
فأولئك: إشارة إلى -من عاد- والجمع باعتبار المعنى. أصحاب النار: أي: ملازموها. هم فيها خالدون: أي: ماكثون أبدا؛ لكفرهم.
والجملة مقررة لما قبلها. وجعل الزمخشري متعلق -عاد- الربا، فاستدل بالآية على تخليد مرتكب الكبيرة. وعلى ما ذكرنا -وهو التفسير المأثور- لا يبقى للاستدلال بها مساغ. انتهى.
والحاصل أن من تاب من أكل الربا، أو استحلاله، فهو مغفور له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب، كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه.
وأما من مات مصرا على أكل الربا، فهو تحت مشيئة الرب تعالى: إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له؛ لقوله تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء {النساء:48}، {النساء:116}.
وأما من مات مستحلا للربا بعد قيام الحجة عليه؛ فهو كافر مخلد في النار، وهو الذي جاء في شأنه الوعيد المذكور في هذه الآية.
والله أعلم.