السؤال
أنا شاب عشريني، أعيش مع أبي وأمي وزوجة أبي، وأنا الذكر الوحيد لأبي، ومنذ بدأت ذاكرتي بالعمل لا أتذكر سوى المشاكل والشجارات بين أبي وأمي، والعنف، والكلام الساقط، والبخل، والتسلط.
وأبي بخيل، وكثير الكلام بلا معنى، ويسب على أتفه سبب ممكن، وكانت أمي تذهب عند أختها عدة مرات، ويعدها أنه لن يعود لعادته، لكن يعود، وأنا في السنوات الأخيرة تعمقت في ديننا الحنيف، ولا زلت أبحث، وأحب ديني، وأحاول تطبيق شعائر الإسلام في مناحي الحياة.
سؤالي: هل طلاق أمي من أبي فيه خير لي ولها؟ لأنها بعد 28 سنة من الزواج، أكاد أجزم أننا لم نعش أسبوعا واحدا دون شجار، أو كهربة في الجو كاستعارة، حتى أني أكره المنزل، وأبي وضعه ميسر، حيث إننا نزرع القنب في شمال المغرب، لكن هو بخيل، ويمنعني من العمل، أو صلة الرحم، وهذا يحرجني، وتضيق نفسي منه، حتى أني صرت أكرهه، والله أخشى أن يكون علي إثم في هذا، لأنه بتصرفاته، وعدم احترامه أبغضه.
وقررت ترك المنزل؛ لكي أتحرر من زراعة الحرام، وأريد إكمال دراستي، وهو لا يريد، مع أني -ولله الحمد- مستواي جيد، وأريد أن أرحل لمدينة مجاورة؛ لكي أعمل حلالا، وأكمل دراستي، وآخذ معي أمي لكي ترتاح من المشاكل والظلم والتسلط.
ألا تكفي 28 سنة من المشاكل والبكاء والألم؟
أعتذر عن الإطالة، وشكرا لكم، وأسأل الله أن يجازيكم خير الجزاء.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت بحرصك على العلم النافع، وسلوك سبيل الاستقامة، نسأل الله تعالى أن يزيدك هدى وتقى وصلاحا، وأن يصلح ما بين والديك. ونوصيك بكثرة الدعاء لهما بالخير.
وكرهك لأبيك بسبب تصرفاته لا إثم عليك فيه، إن لم يتعد الكره القلبي إلى القول أو الفعل؛ لأن مثل هذه الأمور القلبية لا اختيار لصاحبها فيها، فلا يؤاخذ عليها، قال تعالى في دعاء المؤمنين: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا {البقرة:286}، وثبت في صحيح مسلم أنه سبحانه قال: قد فعلت.
وثبت في سنن ابن ماجه عن أبي ذر الغفاري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله قد تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
والواجب عليك الحرص على بره، والإحسان إليه، والحذر من أن يصدر عنك ما يؤذيه؛ فتقع في العقوق، فمن حق الوالد أن يحسن إليه ولده -وإن أساء-، كما سبق بيانه في الفتوى: 299887.
وإن كانت أمك على هذه الحال من تعامل أبيك معها، وإساءته إليها، فمن حقها أن تطلب منه الطلاق للضرر، وأفضلية طلبها الطلاق من عدمه يختلف باختلاف الأحوال، وإذا استحالت العشرة، ولم يمكن تحقق المقاصد الشرعية للزواج؛ فالطلاق أفضل.
قال ابن القيم في زاد المعاد: قد يكون الطلاق من أكبر النعم التي يفك بها المطلق الغل من عنقه، والقيد من رجله، فليس كل طلاق نقمة، بل من تمام نعمة الله على عباده أن مكنهم من المفارقة بالطلاق إذا أراد أحدهم استبدال زوج مكان زوج. اهـ.
ومن حقك الانتقال لتقيم حيث شئت، ولا يلزمك الإقامة في بيت أبيك؛ لأن البالغ لا حضانة عليه، فمن حقه أن يقيم حيث شاء، كما نص على ذلك الفقهاء.
قال ابن قدامة: ولا تثبت الحضانة إلا على الطفل أو المعتوه، فأما البالغ الرشيد، فلا حضانة عليه، وإليه الخيرة في الإقامة عند من شاء من أبويه، فإن كان رجلا، فله الانفراد بنفسه، لاستغنائه عنهما، ويستحب أن لا ينفرد عنهما، ولا يقطع بره عنهما.... اهـ.
ولا يجوز لك إعانة أبيك في زراعة القنب، أو الأكل من ماله المكتسب منه لغير ضرورة، فالقنب نوع من المخدرات فهو محرم، وراجع الفتوى: 145981. ولا تجب عليك طاعته إن منعك من الدراسة، أو العمل، أو صلة الرحم، فالطاعة إنما تكون في المعروف. ولمزيد الفائدة انظر الفتوى: 76303، والفتوى: 277579.
ونوصي ببذل النصح لأبيك بالرفق والحسنى، ويمكن أن تسلطوا عليه بعض أهل الفضل والخير ممن يرجى أن يقبل قوله ويستجيب له، عسى الله أن يجعل إصلاحه على أيديهم.
والله أعلم.