السؤال
أنا ككل فتاة أحلم أن أتزوج لأعصم ديني، وأحترم زوجي، وأكون له زوجة صالحة، وأعينه على طاعة الله، وليس عندي مانع أن أكون له أمة،
ولكني لا أستطيع تحمل فكرة أنه يمكن لزوجي أن تكون له زوجة أخرى، تحت أي لحظة، حتى وإن اشترطت عليه عدم الزواج، فبعض العلماء يقول بأن الوفاء بالشروط مستحب، وغير واجب، وحتى وإن جعلته يأخذ عهدا على الله بأن لا يتزوج علي، وجدت فتوى تقول بأنه يمكن أن يتزوج، ويتعامل مع العهد كيمين، أو نذر، ووجدت فتوى تقول بأنه يمكن أن يتزوج علي دون علمي.
فهذه الأمور تسيطر على تفكيري، وتسبب لي هوسا من الزواج. هوسي ليس من فراغ، فأنا أرى كيف يتعامل الرجال المعددون مع زوجاتهم. علما أن والدي معدد، وأرى ما يجنيه التعدد على الزوجة من تنغيص حياتها، وأنها ستتحمل التربية وحدها، ويغيب الزوج يوما عن البيت، وإن حضر لن يكون حضوره محببا لأهل البيت، وترتبك حياتهما، ولن يحمل الزوج هم أبنائه، ولا هم تربيتهم، بل يكون كل همه كيف يعدل بين زوجاته، ويحل مشاكلهم، وكيف يصرف عليهم، ويكون الإخوة لأب أعداء.
كل ما تراودني هذه الأفكار أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ولكن لا أستطيع أن أطرد هذه الأفكار من رأسي، من أن يتزوج زوجي علي، وأنا لا أطيق هذا، مع أني أظن بالله خيرا.
قررت عدم الزواج، حتى لا أعيش هذه النزاعات الداخلية.
فماذا أفعل؟ وكيف أجعل زوجي لا يتزوج علي؟ يعني كيف أجعل هيئة الشرط عند الزواج، حتى لا يستطيع أن يكفر عنه، ولا يجد طريقا إلا الوفاء به فقط؟
وجدت فتوى تقول بأنه يحق لي الطلاق منه في هذه الحالة، وأخذ حقوقي كاملة، فأنا لا أريد أن أطلق، بل أريده ألا يتزوج علي فقط.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمما لا شك فيه أن الشرع قد رغب في الزواج أيما ترغيب، وذلك لما فيه من المقاصد الشرعية العظيمة؛ كالعفاف، وتكثير النسل، ونحو ذلك.
قال النفراوي المالكي في الفواكه الدواني: له فوائد أعظمها دفع غوائل الشهوة، ويليها أنه سبب لحياتين: فانية، وهي: تكثير النسل، وباقية، هي: الحرص على الدار الآخرة؛ لأنه ينبه على لذة الآخرة، لأنه إذا ذاق لذته، يسرع إلى فعل الخير الموصل إلى اللذة الأخروية، التي هي أعظم، ولا سيما النظر إلى وجهه الكريم، ويليها تنفيذ ما أراده الله تعالى وأحبه، من بقاء النوع الإنساني إلى يوم القيامة، وامتثال أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: "تناكحوا تناسلوا" الحديث، ويليها بقاء الذكر، ورفع الدرجات بسبب دعاء الولد الصالح بعد انقطاع عمل أبيه بموته. اهـ.
ولذا ينبغي الحرص عليه، والمبادرة إليه، فقد قال الله تعالى: فاستبقوا الخيرات {البقرة:148}.
ولا ينبغي أن تكون هذه الهواجس التي ذكرتها حائلا دون الزواج، فتفوت من أجلها تلك المصالح العظيمة. نعم، هنالك خلاف في حكم اشتراط الزوجة أن لا يتزوج عليها زوجها، والذي نرجحه أنه يجب عليه أن يفي لها بهذا الشرط، كما سبق وأن بينا في الفتوى: 1357.
وعلى فرض أن الزوج قد تزوج عليها، فلا يلزم أن يكون ذلك سببا لفشل الحياة الزوجية، وإن كانت الأخت السائلة تعلم بعض النماذج الفاشلة، فهنالك أيضا نماذج ناجحة، فعليها أن تحسن الاختيار ابتداء، فتتحرى الزوج الكفء، وهو صاحب الدين والخلق، فهو الأحرى لأن تقبله زوجا، روى الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض.
وجاء في شرح السنة للبغوي عن الحسن البصري أنه أتاه رجل، فقال: إن لي بنتا أحبها، وقد خطبها غير واحد، فمن تشير علي أن أزوجها؟ قال: زوجها رجلا يتقي الله، فإنه إن أحبها، أكرمها، وإن أبغضها، لم يظلمها.
ومع حسن الاختيار والاستشارة، فهنالك الاستخارة، فإنها أيضا من أسباب التوفيق. وتراجع فيها الفتوى: 19333، والفتوى: 123457.
بقي أن نبين أنه على كل حال قد لا يخلو صفو الحياة كلها من كدر، ومن يبتغ حياة تخلو من ذلك، فإنما يطلب المستحيل، والقاعدة السليمة أن تحتمل المفاسد الصغرى في سبيل تحصيل المصالح الكبرى، فعلى هذا الأساس تجري حياة الناس.
وننبه في الختام إلى أن الزواج في حكمه الشرعي تعتريه الأحكام التكليفية، فقد يكون واجبا، وذلك في حق من يخشى على نفسه الفتنة.
قال ابن قدامة في المغني: والناس في النكاح على ثلاثة أضرب؛ منهم من يخاف على نفسه الوقوع في محظور إن ترك النكاح ، فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء؛ لأنه يلزمه إعفاف نفسه، وصونها عن الحرام، وطريقه النكاح. اهـ.
والله أعلم.