السؤال
منذ عشر سنوات كنت طبيبة حديثة التخرج، وجاءت مريضة بقيء وآلام في المعدة، وأعطيتها ما يعطى لهذه الحالة، ولم أقم بإجراءات أخرى، وتحسنت، ثم عرفت بعد ذلك من إحدى الممرضات أنها ذهبت إلى مستشفى أخرى بنفس الأعراض، وحجزت، وشخصت حالتها بأنها جلطة، وتوفيت، ولا أعلم إن كان تأخر تشخيصي للحالة كان سببا أم لا، فماذا أفعل؟ وأنا لا أعرف أين تسكن، ولا أستطيع أن أتتبع اسمها؛ لأنها بالفعل خرجت من المستشفى التي أعمل بها، ولا أستطيع الوصول إليها، كما أني لا أستطيع دفع الدية.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالطبيب حديث التخرج لا ينتظر منه أن يكون على خبرة كافية تمكنه من تشخيص كل حالة تعرض عليه، ومجرد عجز الطبيب عن تشخيص الحالة المرضية لا يعتبر تقصيرا، أو تفريطا موجبا للضمان، أو الإثم، وكذلك تأخر تشخيص المرض، وما يتبعه من تأخر تقرير طريقة العلاج، لا يوجب إثما، ولا ضمانا على الطبيب، إذا أدى ما عليه، وبذل ما في وسعه.
وانظري للفائدة الفتويين: 128083، 131619.
ثم إنه في الحالة التي ذكرتها السائلة لا يعلم أصلا إذا كانت لها دخل في وفاة هذه المريضة أم لا؛ فإن الحكم على موت المريض بأنه من قتل الخطأ، يحتاج ثبوته إلى حكم أهل الخبرة بأن سبب موته هو إهمال الطبيب، أو تقصيره في أداء واجب المهنة، ولا نرى هذا منطبقا على حال السائلة.
ومن المقرر أن الأصل براءة الذمة؛ حتى تعمر بيقين، قال ابن حزم في المحلى: إن شكت أمات من فعلها أم من غير فعلها؟ فلا دية في ذلك، ولا كفارة؛ لأننا على يقين من براءتها من دمه، ثم على شك أمات من فعلها أم لا، والأموال محرمة إلا بيقين ... اهـ.
وقال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام: لو شك هل لزمه شيء من ذلك، أو لزمه دين في ذمته ... فلا يلزمه شيء من ذلك؛ لأن الأصل براءة ذمته؛ فإن الله خلق عباده كلهم أبرياء الذمم والأجساد من حقوقه وحقوق العباد، إلى أن تتحقق أسباب وجوبها. اهـ.
وقال الجويني في غياث الأمم: كل ما أشكل وجوبه؛ فالأصل براءة الذمة فيه، كما سبق في حقوق الأشخاص المعينين، فهذا منتهى المقصود فيما يتعلق بالأملاك من المعاملات، والحقوق الخاصة والعامة. اهـ.
والله أعلم.