الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذه الأسئلة تدل على عزم أو نية صاحبها مواصلة التدخين، والحنث في يمينه؛ ولذلك نبدأ أول ما نبدأ بالتذكير بضرر وحرمة التدخين، وإثم صاحبه، وأن هذه الحرمة وإثم صاحبها يشتد ويتأكد بالحلف على ترك التدخين، ثم الحنث في اليمين.
وعلاج الأمرين معا يكون بالتوبة الصادقة، والإقلاع عن التدخين بالكلية؛ طاعة لله تعالى، وخوفا من عقابه، ووفاء باليمين. وانظر للفائدة الفتاوى: 424102، 108022، 155801.
وقبل الجواب عن أسئلتك نقرر أولا: أن القسم إذا كان يقتضي التكرار بلفظه، أو نية صاحبه، أو بالعرف؛ فإن الكفارة تتكرر بتكرر الحنث، وراجع في ذلك الفتوى: 136912.
ونية الحالف أثناء حلفه تخصص يمينه، وتقيدها، وكذلك السبب الحامل على القسم، وهو ما يعرف عند المالكية ببساط اليمين. وعند الحنابلة بالسبب المهيج لليمين، ويعبر عنه الحنفية بيمين الفور، وراجع في ذلك الفتوى: 53941.
وعلى ذلك؛ فبالنسبة للسؤال الأول، فالذي نفهمه من لفظه: (والله، كلما أشعلت سيجارة، أو قمت بتدخين سيجارة ..) أن السائل لا يريد منع نفسه من التدخين فقط، بل يريد منعها حتى من مجرد الإشعال، ولو لم يعقبه تدخين.
وإن كان الأمر كذلك، فإنه يحنث بحدوث أي من الأمرين، فيحنث بإشعال السيجارة ولو لم يدخنها، كما يحنث بتدخينها، إلا إن نوى بقوله: (أشعلت سيجارة، أو قمت بتدخين سيجارة) شيئا واحدا، كأن يقصد بالإشعال مثلا ما يعقبه من التدخين، فلا يحنث حينئذ إلا بالتدخين.
وعلى أية حال؛ فإنه إذا أشعلها ودخنها؛ فعليه كفارة واحدة، قال ابن قدامة في المغني: إذا حلف يمينا واحدة على أجناس مختلفة، فقال: والله، لا أكلت، ولا شربت، ولا لبست، فحنث في الجميع، فكفارة واحدة. اهـ.
وكذلك السؤال الثاني، فظاهر اللفظ أن الكفارة تتكرر مع كل سيجارة، ومن ثم؛ فكل سيجارة تقتضي يمينا مستقلا، على التفصيل السابق.
فإذا بلغ عدد أيام الصوم الواجب في الأسبوع ثمانية أيام فأكثر، فنرى أنه يكفيك صيام الأسبوع كله، بغض النظر عن عدد السجائر؛ لأن الأسبوع لا يسع صيام ثمانية أيام.
وأما إذا كنت نويت بكلامك أن الكفارة تتكرر مع تكرر الأسابيع، بمعنى أن كل أسبوع تدخن فيه تصوم يومين في الأسبوع الذي يليه، فإن لم تصم، فعليك كفارة واحدة، بغض النظر عن عدد السجائر التي دخنتها.
وأما السؤال الثالث، فجوابه: أن تعمد ترك الكفارة الواجبة مع القدرة عليها: معصية من المعاصي، والعاصي أمره إلى الله، إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه.
ولا نعلم عقوبة خاصة، جاء النص عليها في خصوص الحنث.
وهل التوبة والاستغفار كثيرا، مع الطمع في رحمة الله يمنع هذه العقوبة أم يخففها؟
أما التوبة المستوفية لشروطها -ومنها: الإقلاع عن الذنب-، فهي مانعة من العقوبة؛ فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وأما مجرد الاستغفار باللسان، مع الإقامة على الذنب، فهو نوع من الدعاء، ينفع صاحبه -بإذن الله-، ولكن لا يقطع بكونه رافعا للعقوبة! فأمر ذلك إلى الله تعالى وحده. وراجع في بيان الفرق بين التوبة والاستغفار الفتوى: 199931.
ثم نعود ونذكر السائل بأن علاج هذه المسألة يكون بالإقلاع عن التدخين بالكلية؛ فبذلك يتخلص المرء من إثم التدخين، وتبعة اليمين.
والله أعلم.