السؤال
لدي سؤال جزيتم الجنة: أيهما أكثر معصية، وأشد عقابا عند الله: هل المتشبهة بالرجال بلبس البناطيل، وحد المكشوف من البنطلون من الركبة إلى الأسفل. أو الزاني الذي يزني سواء بالسمع أو اللسان أو غير ذلك؟
سبب سؤالي: أنني أعتقد -وأعوذ بالله أن أذنب باعتقادي- أن الزاني أشد عقابا، ولكن في الحقيقة النامصة والمتشبهة بالرجال ملعونة: أي أنها مطرودة من رحمة الله، أي أنها أشد عقابا من الزاني الذي عقابه الجلد في الدنيا، وفي الآخرة له عقاب شديد، ولكنه ليس مطرودا من رحمة الله.
أفيدوني جزيتم الجنة، وأعوذ بالله من أن أكون قد أخطأت في تفكري، وصححوا لي رجاء.
وأستغفر الله العلي العظيم، من أن أكونه قد أذنبت بسؤالي، اللهم لا تؤاخذنا على جهلنا يا أرحم الراحمين.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحكم بأن ذنبا أعظم من ذنب وأشد عقابا منه عند الله: لا يصح إلا بدليل شرعي، ولا مجال للرأي فيه.
واعتقاد أن النمص وتشبه المرأة بالرجال، أشد من الزنى الذي يوجب الحد في الدنيا، والعذاب الشديد في الآخرة؛ باعتبار ثبوت اللعن فيهما دون الزنا: اعتقاد خاطئ!
فإن الزنى من أكبر الكبائر، أو هو أكبرها بعد الشرك والقتل، وقد سماه الله -عز وجل- فاحشة، ونهى عن قربه لا عن فعله: ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا [الإسراء: 32]، وقرنه الله تعالى بالشرك والقتل، وتوعد فاعله بالعقوبة الشديدة ومضاعفة العذاب يوم القيامة والجلد فيه، فقال سبحانه: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما. يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا [الفرقان: 68، 69].
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك". قلت: إن ذلك لعظيم. ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك". قلت: ثم أي؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك". رواه البخاري ومسلم.
وقد استنبطوا منه أن الزنا أعظم الذنوب بعد الشرك والقتل.
قال ابن القيم في الداء والدواء: قال الإمام أحمد: لا أعلم بعد القتل ذنبا أعظم من الزنا! واحتج بحديث عبد الله بن مسعود. اهـ.
وأما اللعن الوارد في النمص والتشبه وغيرهما من الذنوب، فليس كلعن الكافر الذي يطرد من رحمة الله -تعالى- ويخلد في النار، بل هو عقوبة تناسب أهل التوحيد، وراجعي في ذلك الفتوى: 140058.
ثم إن شرب الخمر -وهو أشد من النمص، والتشبه بلا ريب- قد ثبت فيه اللعن من كل وجه، حيث لعن النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها، وشاربها، وحاملها والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها والمشتراة له. رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني.
ومع ذلك، فالزنا أشد من شرب الخمر.
قال المنذري في الترغيب والترهيب: قد صح أن مدمن الخمر إذا مات لقي الله كعابد وثن، ولا شك أن الزنا أشد وأعظم عند الله من شرب الخمر. اهـ.
وقال ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: روى الخرائطي وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال: المقيم على الزنا كعابد وثن. ويؤيده ما صح أن مدمن الخمر إذا مات لقي الله كعابد وثن، ولا شك أن الزنا أشد وأعظم عند الله من شرب الخمر. اهـ.
والله أعلم.