تفسير قوله تعالى: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى

0 34

السؤال

أعلم بأن كفار قريش لم يكونوا مؤمنين بالآخرة والبعث، وهناك أدلة كثيرة من القرآن الكريم.
هل يمكن أن تفسروا لي الشفاعة في الآية الكريمة التالية، من سورة الزمر: ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار. الزمر:3.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:                 

 فإن الشفاعة التي سألت عنها، هي شفاعة في الدنيا، وهي اعتقاد المشركين في آلهتهم أنها ستشفع لهم، وتقربهم إلى الله زلفى لينصرهم في الدنيا، ويرزقهم، ويحفظهم مما يخافون.

وأما الشفاعة في الآخرة فلا يؤمنون بها، ولا بالدار التي تحصل فيها، كما قال الله عنهم: ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون {الأنعام:113}، وقال تعالى: إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون {النحل:22}، وقال تعالى: إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى {النجم:27}، إلى غير ذلك من الآيات التي فيها التصريح بأنهم لا يؤمنون بالمعاد ولا بالبعث وبالآخرة.

يقول ابن كثير في تفسيره للآية التي ذكرتها: ثم أخبر تعالى عن عباد الأصنام من المشركين أنهم يقولون: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}. أي: إنما يحملهم على عبادتهم لهم أنهم عمدوا إلى أصنام اتخذوها على صور الملائكة المقربين في زعمهم. فعبدوا تلك الصور، تنزيلا لذلك منزلة عبادتهم الملائكة؛ ليشفعوا لهم عند الله في نصرهم ورزقهم، وما ينوبهم من أمر الدنيا. فأما المعاد، فكانوا جاحدين له، كافرين به.

قال قتادة، والسدي، ومالك عن زيد بن أسلم، وابن زيد: {إلا ليقربونا إلى الله زلفى}. أي: ليشفعوا لنا، ويقربونا عنده منزلة. ولهذا كانوا يقولون في تلبيتهم إذا حجوا في جاهليتهم: "لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك".

وهذه الشبهة هي التي اعتمدها المشركون في قديم الدهر وحديثه، وجاءتهم الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- بردها والنهي عنها، والدعوة إلى إفراد العبادة لله وحده لا شريك له، وأن هذا شيء اخترعه المشركون من عند أنفسهم، لم يأذن الله فيه ولا رضي به، بل أبغضه ونهى عنه: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل:36]. {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء:25]. اهـ. 

وقال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: "والذين اتخذوا من دونه أولياء" يعني الأصنام، والخبر محذوف. أي: قالوا: "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" قال قتادة: كانوا إذا قيل لهم: من ربكم وخالقكم؟ ومن خلق السماوات والأرض، وأنزل من السماء ماء؟ قالوا: الله، فيقال لهم: ما معنى عبادتكم الأصنام؟ قالوا: ليقربونا إلى الله زلفى، والزلفى القربة، أي: ليقربونا إليه تقريبا. اهـ.

وراجع المزيد، في الفتوى: 305218، وهي بعنوان: "تعريف الشفاعة الشركية" 
 والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات