الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالجهل بالله تعالى، ودينه، وبأحكام شرعه، هو الذي يقطع على المرء طريقه، ويعيق مسيره، ويوقعه في الشبهات، ويسبب له الإشكالات.
ولذلك؛ فالبداية الصحيحة ليست في مدارسة ما يخص المرأة من أحكام، وإنما في قضية الإيمان بالله تعالى وأسمائه وصفاته، وبديع خلقه، وإتقان صنعه، وإحكام شرعه، وتنزهه عن كل نقص، واتصافه بكل كمال.
فمن توافرت عنده الأدلة القاطعة على ذلك، رد إليها ما تشابه عليه من الأحكام الجزئية في كل قضية تفصيلية، ومن جملة ذلك ما يخص المرأة من أحكام.
وإشكالات السائلة مبناها في الحقيقة: إما على فهم خاطئ لشيء من أحكام المرأة في الإسلام، وإما على فهم خاطئ لحقيقة العدل المطلوب بينها وبين الرجل؛ فليس العدل هو المساواة، وإنما العدل هو معاملة كل كائن بما يليق به، وإنزاله منزلته التي تتناسب من خلقته وإمكاناته.
وأما التسوية بين الأمور والذوات والصفات المختلفة، فهذا من الجور، وليس من العدل! ولا يخفى ما بين الرجل والمرأة من الاختلاف في الطبيعة، والتكوين، والإمكانات، فإذا فرقت الشريعة بينهما فيما يترتب على ذلك من آثار، كان هذا عدلا، ومخالفته جورا.
وأما جزئيات السؤال، فأولها: ما ذكرته السائلة عن عتق أم الولد إذا أنجبت ذكرا بخلاف ما إذا أنجبت أنثى، وهذا خطأ محض! لا نعلم قائلا به من أئمة الإسلام. فالأمة تكون أم الولد، وتعتق إذا ولدت أنثى، كما إذا أنجبت ذكرا، بل إذا ولدت ولو جنينا ميتا، أو أي شيء يتبين فيه بعض خلق الإنسان. فحكم أم الولد يتعلق بمجرد الولادة، بغض النظر عن جنس المولود. قال ابن قدامة في المغني: أم الولد: هي التي ولدت من سيدها في ملكه. اهـ.
وقال في الكافي: إذا أصاب الرجل أمته، فولدت منه ما يتبين فيه بعض خلق الإنسان، صارت له أم ولد، تعتق بموته من رأس المال. اهـ.
ولعل سبب التلبيس على السائلة أن البعض يستعمل لفظ (الولد) في الذكر دون الأنثى، وأما الولد في النصوص الشرعية فمعناه المولود: ذكرا كان أو أنثى، كقوله تعالى: ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم [الأنعام: 151] وقوله: يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله [المنافقون: 9] وقوله: يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين [النساء: 11].
قال الواحدي في الوجيز: {يوصيكم الله} أي: يفرض عليكم؛ لأن الوصية من الله فرض {في أولادكم} الذكور والإناث. اهـ.
وأما مسألة ضرب المرأة؛ فالأصل فيه المنع، وإنما يباح في حال النشوز، وبضوابط شرعية في الكم والكيف والمآل والغاية. ومع إباحته عندئذ يبقى أن الأفضل شرعا هو تركه. وراجعي في ذلك الفتويين التاليتين: 22559 ، 161871.
وإذا تعدى الرجل في ضرب امرأته، فقد قال بعض أهل العلم بأنه يقتص لها منه، برغم وجود حق القوامة.
قال ابن حزم في المحلى: إن ضربها بغير ذنب، أقيدت منه. اهـ. وراجعي في ذلك الفتوى: 426400.
وأما بقية السؤال فيمكن السائلة أن تراجع في جوابه الفتوى: 436231. وما أحيل عليه فيها.
وهنا نلفت نظر السائلة إلى أن المؤمن يضن بدينه عن تعريضه للتشكيك، فإما أن يقبل على طلب العلم بطريقة منهجية، ويجتهد في تحصيله لتحصين نفسه، وإما أن يكف نفسه عن التعرض للشبهات، ولاسيما إذا كان يشكو من داء الوسوسة.
وتأملي هذه الوصية النافعة التي ذكرها ابن القيم في (مفتاح دار السعادة) حيث قال: قال لي شيخ الإسلام -رضي الله عنه - وقد جعلت أورد عليه إيرادا بعد إيراد -: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات -أو كما قال- فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك، وإنما سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها، فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل ... اهـ.
والله أعلم.