الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجب أن تستأذن على أهلك إن أردت الدخول عليهم وهم في غرفتهم الخاصة، ولا يحل لك أن تدخل عليهم إلا بعد أن يأذنوا لك في الدخول؛ لقول الله -سبحانه وتعالى-: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها [النور: 27].
وفي الموطأ عن عطاء بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله رجل، فقال: يا رسول الله: أستأذن على أمي؟ فقال نعم: قال الرجل: إني معها في البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأذن عليها، فقال الرجل: إني خادمها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأذن عليها.
ولا يستثنى من هذا الحكم إلا الصبيان، أو المماليك ذكورا وإناثا، صغارا أو كبارا في غير الأوقات الثلاثة المبينة، التي هي مظنة كشف العورات، دفعا للحرج؛ لكثرة طوافهم، كما في قوله -سبحانه وتعالى-: يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض [النور: 58].
قال الإمام الطبري: حكم ما ملكت أيماننا من ذلك، حكم واحد سواء فيه حكم كبارهم وصغارهم، من أن الإذن عليهم في الساعات الثلاث. انتهى.
وإذا بلغ الأطفال وجب عليهم أن يستأذنوا في جميع الأحوال؛ لقوله -تعالى-: وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم {النور:59}.
قال الإمام ابن كثير: يعني إذا بلغ الأطفال الذين إنما كانوا يستأذنون في العورات الثلاث، إذا بلغوا الحلم وجب عليهم أن يستأذنوا على كل حال، يعني بالنسبة إلى أجانبهم، وإلى الأحوال التي يكون الرجل على امرأته، وإن لم يكن في الأحوال الثلاث. انتهى.
أما بخصوص دخولك على أخيك لتوقظه لصلاة الفجر: فإن كان قد أوصاك بذلك، وأذن لك في الدخول عليه قبل نومه -حال كونه منفردا في غرفته، وليست زوجته معه- فلا حرج في دخولك عليه، بناء على إذنه السابق في إيقاظه للصلاة.
أما بلا إذن سابق، فلا يجوز لك أن تدخل عليه، فقد أخرج البخاري بسنده في الأدب المفرد، في باب: يستأذن الرجل على أخيه. عن عبد الله بن عمر قال: يستأذن الرجل على أبيه وأمه، وأخيه وأخته.
وكذلك أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عن عبد الله بن عمر بلفظ: يستأذن الرجل على أبيه وأمه، وعلى ابنه، وعلى أخته.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: يشرع الاستئذان على كل أحد حتى المحارم؛ لئلا تكون منكشفة العورة.
وقد أخرج البخاري في "الأدب المفرد" عن نافع: "كان ابن عمر إذا بلغ بعض ولده الحلم لم يدخل عليه إلا بإذن"
ومن طريق علقمة "جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: أستأذن على أمي؟ فقال: ما على كل أحيانها تريد أن تراها"
ومن طريق مسلم بن نذير بالنون مصغر: "سأل رجل حذيفة: أستأذن على أمي؟ قال: إن لم تستأذن عليها رأيت ما تكره"
ومن طريق موسى بن طلحة: "دخلت مع أبي على أمي فدخل واتبعته، فدفع في صدري وقال: تدخل بغير إذن"؟
ومن طريق عطاء: "سألت ابن عباس: أستأذن على أختي ؟ قال: نعم. قلت: إنها في حجري، قال: أتحب أن تراها عريانة"؟ وأسانيد هذه الآثار كلها صحيحة. انتهى.
وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية، مبينا حكم الاستئذان: فيجب في الجملة على غير زوجة وأمة، ثم قال الأصحاب: على القريب والبعيد. انتهى.
وقال الشيخ محمد الأمين في أضواء البيان: اعلم أن الأظهر الذي لا ينبغي العدول عنه، أن الرجل يلزمه أن يستأذن على أمه وأخته وبنيه وبناته البالغين؛ لأنه إن دخل على من ذكر بغير استئذان، فقد تقع عينه على عورات من ذكر، وذلك لا يحل له. انتهى.
والله أعلم.