السؤال
بحثت عن موضوع الجهر بالبسملة في الصلاة، وتوصلت إلى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يجهر بها أحيانا، ويسر بها في أغلب الأوقات. وأن الخليفتين الأول والثاني كانا يستفتحان الصلاة بـ " الحمد لله رب العالمين". فهل يمكن أن نفهم من هذا ما يلي:
إذا قرأنا في الصلاة برواية تعتبر البسملة فيها آية من الفاتحة كرواية حفص عن عاصم مثلا نجهر بالبسملة. أما لو قرأنا برواية لا تعتبر البسملة فيها آية من الفاتحة كورش عن نافع مثلا، فلا نجهر بالبسملة.
والمعروف أنه على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم تكن أوجه قراءة القرآن لها تسمياتها الحالية؛ لأن القراء ورواتهم متأخرون عن عهد رسول الله. وقد يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسر البسملة بالوجه الذي لا يعتبرها آية. وجهر بها في الوجه الذي يعتبرها آية، وهو الذي ورد عنه الجهر بها، والإسرار بها، وهو الذي ورد عنه اعتبارها آية بوجه لقراءة القرآن، وعدم اعتبارها آية بوجوه أخرى. فلماذا لا يتم الجمع بين هذه وتلك؟
وبخصوص استشهادتكم بحديث أبي هريرة الذي ذكر فيه الفاتحة وبدأ به ب" الحمد لله رب العالمين, حمدني عبدي.. إلخ" يحمل أيضا على أوجه القراءة المتواترة، وكذلك عمل الخليفتين فقد يكونان يقرآن بوجه من القراءات لا يعتبر البسملة آية كورش وغيره. بالتالي الحديث ليس دليلا على أن البسلمة لا يجهر بها.
والخلاصة : هل يجوز الجهر بالبسملة للروايات التي تثبتها آية، والإسرار بها للروايات التي لا تثبتها آية من الفاتحة والمداومة على ذلك؟
تحياتي.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه أما بعد:
فمسألة الجهر بالبسملة غير متفرعة على عدها آية أو لا، فالحنابلة مثلا عنهم روايتان في كون البسملة آية، والمذهب عدم الجهر بها بكل حال، حتى لو قلنا هي آية من الفاتحة.
قال المرداوي في الإنصاف: تنبيه: ظاهر قوله (ولا يجهر بشيء من ذلك) أنه لا يجهر بالبسملة سواء قلنا هي من الفاتحة أو لا، وهو صحيح، وصرح به المجد في شرحه، وقال: الرواية لا تختلف في ترك الجهر، وإن قلنا هي من الفاتحة. وصرح به ابن حمدان، وابن تميم، وابن الجوزي [وصاحب التلخيص] والزركشي، وغيرهم وقدموه، وعليه الجمهور. انتهى.
وإذا علمت هذا، فمرد الجهر والإسرار في الصلاة إلى ما يقرره الفقهاء، ويستدلون به، لا إلى ما يعتمده القراء؛ إذ المسألة فقهية لا تعلق لها بالأداء.
وخلاف الفقهاء في المسألة معروف؛ فمنهم من استحب الجهر مطلقا وهو الشافعي، ومنهم من استحب الإسرار وهم الجمهور، ومنهم من رأى ترك قراءتها أصلا كأهل المدينة، ومن العلماء من توسط فقال يجهر بها أحيانا، ومنهم من قال يجهر بها للمصلحة، كما يقوله شيخ الإسلام ابن تيمية.
والعامي يقلد من يثق به من الفقهاء أيا كانت القراءة التي يقرأ بها، وانظر لما يفعله العامي عند اختلاف الفتوى فتوانا: 169801، فبان بما ذكرناه لك عدم انتهاض ما أبديته بحثا في هذه المسألة، وأنه لا ارتباط أصلا بين مسألتي الجهر وكون البسملة آية من الفاتحة، وأن المرد في التقليد إنما هو إلى الأئمة المجتهدين لا إلى القراء إذا كانوا غير مجتهدين في أحكام الفقه، وإن نبغوا فيما نبغوا فيه، وحفظ الله بهم القرآن علينا، وله الحمد.
والله أعلم.