السؤال
تفسير قوله تعالى:{إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا} بالتفصيل، وما علاقة الابتلاء بزينة الأرض؟
فعندما يقول تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) تكون علاقة الموت والحياة بالابتلاء أن يقال إن الله قدر على العباد أن يحييهم ثم يميتهم ليختبرهم أيهم أحسن عملا.
فالآية الثانية واضحة المعنى، أما الأولى فبالنسبة لي لا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن قول الله سبحانه: إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا {الكهف:7}.
معناه أن الله سبحانه جعل كل ما على الأرض من المخلوقات زينة لها، ولم يفعل ذلك عبثا أو باطلا سبحانه، بل من أجل غاية عظيمة وهي: ابتلاء العباد وامتحانهم بتلك المخلوقات، فمنهم من يؤمن بالله، ويتخذ تلك الزينة معونة على طاعة الله، ولا تشغله عن عبادة الله، ومنهم من يكفر بالله، ويجعل تلك الزينة وسيلة له لعصيان الله، والإعراض عن أمره.
جاء في تفسير البقاعي: ولما أخبر بتزيينها، أخبر بعلته فقال تعالى: {لنبلوهم} أي نعاملهم معاملة المختبر الذي يسأل لخفاء الأمر عليه بقوله تعالى: {أيهم أحسن عملا} أي بإخلاص الخدمة لربه... فمن أظهر موافقة الأمر فيما نال من الزينة حاز المثوبة، ومن اجترأ على مخالفة الأمر بما آتيناه منها فعمل على أنها للتنعم بها فقط استحق العقوبة. ولما كان دعاء الزينة إلى حقيقة الحياة الدنيا من اللهو واللعب ظاهرا لموافقته لما طبعت عليه النفوس من الهوى لم يحتج إلى التنبيه عليه أكثر من لفظ الزينة. اهـ.
وجاء في أضواء البيان للشنقيطي: قال الزمخشري في معنى هذه الآية الكريمة: ”ما عليها“ يعني ما على الأرض مما يصلح أن يكون زينة لها ولأهلها من زخارف الدنيا وما يستحسن منها.
وقال بعض العلماء: كل ما على الأرض زينة لها من غير تخصيص، وعلى هذا القول فوجه كون الحيات وغيرها مما يؤذي زينة للأرض؛ لأنه يدل على وجود خالقه، واتصافه بصفات الكمال والجلال، ووجود ما يحصل به هذا العلم في شيء زينة له ...
واعلم أن قوله في هذه الآية الكريمة: {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها} [الكهف: 7] قد صرح في مواضع أخر ببعض الأفراد الداخلة فيه، كقوله تعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا} الآية [الكهف: 46]، وقوله: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} الآية [النحل: 8]، إلى غير ذلك من الآيات...
وقوله في هذه الآية الكريمة: {لنبلوهم أيهم أحسن عملا} [الكهف: 45] أي لنختبرهم على ألسنة رسلنا.
وهذه الحكمة التي ذكرها هنا لجعل ما على الأرض زينة لها (وهي الابتلاء في إحسان العمل) بين في مواضع أخر أنها هي الحكمة في خلق الموت والحياة والسموات والأرض، قال تعالى: {تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير} {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور} [الملك: 1 - 2]، وقال تعالى: {وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا} [هود: 7] .
وقد بين صلى الله عليه وسلم الإحسان بقوله: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك كما تقدم.
وهذا الذي أوضحنا من أنه جل وعلا جعل ما على الأرض زينة لها ليبتلي خلقه، ثم يهلك ما عليها ويجعله صعيدا جرزا - فيه أكبر واعظ للناس، وأعظم زاجر عن اتباع الهوى، وإيثار الفاني على الباقي. اهـ.
والله أعلم.