هل تدل آية البقرة: "وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى" على أن الرجل لا يقتل بالأنثى؟

0 25

السؤال

هل يوجد في الأقوال الشاذة لأهل العلم قول بأن الرجل لا يقتل بالمرأة، والمرأة لا تقتل بالرجل، ويجب في القصاص عدم اختلاف الجنس؛ بدليل قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم"، فهل يمكن هذا الاستنباط من ظاهر الآية المباركة؟ ومن قال بهذا القول؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا نعلم أحدا من أهل العلم قال: إن المرأة لا تقتل بالرجل.

ولكن منهم من شذ، فقال: إن الرجل لا يقتل بالمرأة، وقد بوب ابن أبي شيبة في مصنفه بابا: ‌‌في الرجل يقتل المرأة عمدا. وأسند فيها آثارا في إثبات القصاص بينهما، وأسند عن إبراهيم النخعي، والشعبي ما يخالفه، حيث قالا: لا يقتل الرجل بالمرأة، إذا قتلها عمدا.

وهذا مخالفة لما عليه عامة أهل العلم، قال ابن المنذر في الإجماع: أجمعوا على أن القصاص بين المرأة والرجل في نفس، إذا كان القتل عمدا، وروي عن عطاء، والحسن غير ذلك. اهـ.

وقال الإمام الشافعي في الأم: وما وصفت من أني لم أعلم مخالفا في أن ‌يقتل ‌الرجل ‌بالمرأة، دليل على أن لو كانت هذه الآية غير خاصة -كما قال من وصفت قوله من أهل التفسير- لم يقتل ذكر بأنثى، ولم يجعل عوام من حفظت عنه من أهل العلم، لا نعلم لهم مخالفا لهذا معناها، ولم يقتل الذكر بالأنثى. اهـ.

وقال الإمام البخاري في صحيحه: ‌‌باب القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات. وقال أهل العلم: يقتل الرجل بالمرأة. ويذكر عن عمر: "تقاد المرأة من الرجل في كل عمد يبلغ نفسه فما دونها من الجراح"، وبه قال عمر بن عبد العزيز، وإبراهيم، وأبو الزناد عن أصحابه. وجرحت أخت الربيع إنسانا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: القصاص. اهـ.

فالصحيح هو ما عليه عامة أهل العلم؛ بدليل قوله تعالى: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس [المائدة:45]، قال ابن كثير في تفسير سورة البقرة: قال الحسن، وعطاء: لا ‌يقتل ‌الرجل ‌بالمرأة؛ لهذه الآية، وخالفهم الجمهور؛ لآية المائدة؛ ولقوله عليه السلام: "المسلمون تتكافأ دماؤهم". اهـ.

ولذلك قال من قال من أهل العلم بأن هذه الآية منسوخة بآية المائدة.

والصحيح أنها ليست منسوخة، وأن آية البقرة تناولت حكم قتل كل جنس لنفسه، ولم تتعرض لقتل أحد الجنسين للآخر؛ فهذا يؤخذ من الآية الأخرى، مع ما تضافر معها من أدلة السنة.

وأما حكمة النص على خصوص قتل الحر بالحر، والأنثى بالأنثى في آية البقرة؛ فيتبين من سبب نزولها، قال الواحدي في التفسير البسيط: قال المفسرون: نزلت الآية في حيين من العرب، لأحدهما طول على الآخر، فكانوا يتزوجون نسائهم بغير مهور، فقتل الأوضع منهما من الشريف قتلى، فحلف الشريف ليقتلن الحر بالعبد، والذكر بالأنثى، وليضاعفن الجراح، فأنزل الله هذه الآية؛ ليعلم أن الحر المسلم، كفء للحر المسلم، وكذلك العبد للعبد، والذكر للذكر، والأنثى للأنثى.

ولم تدل الآية على أن الذكر لا يقتل بالأنثى، ولكنها بينت أن من قتلت له أنثى، فقال: لا أقتل بها إلا رجلا، متعد غير منصف، فأما قتل الذكر بالأنثى، فمستفاد من إجماع الأمة؛ لأنهما تساويا في الحرمة، والميراث، وحد الزنى، والقذف، وغير ذلك؛ فوجب أن يستويا في القصاص.

قال الفراء: هذه الآية منسوخة بقوله: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس}، وكأن عنده هذه الآية تدل على أن الرجل إنما يقتل بالذكر، ولا يقتل بالأنثى؛ لأنه قال: {الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى}، فلما لم يعمل بهذا، وعمل بقوله: {النفس بالنفس}، جعل هذه الآية منسوخة.

والصحيح أن هذه الآية غير منسوخة؛ لأن حكم الآية ثابت، ولم تدل على أن الذكر لا يقتل بالأنثى. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة