السؤال
أريد أن أفهم بعض الأشياء في القرآن، وأنا لا أقول بالطبع إن هناك تناقضا، فقط أريد أن أفهم.
في سورة البلد يقول الله عز وجل: لقد خلقنا الإنسان في كبد. ولكن من المعروف أن الله رحيم بالإنسان.
أريد أن أفهم من فضلكم.
أريد أن أفهم بعض الأشياء في القرآن، وأنا لا أقول بالطبع إن هناك تناقضا، فقط أريد أن أفهم.
في سورة البلد يقول الله عز وجل: لقد خلقنا الإنسان في كبد. ولكن من المعروف أن الله رحيم بالإنسان.
أريد أن أفهم من فضلكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف المفسرون في المراد بقوله تعالى: لقد خلقنا الإنسان في كبد {البلد:4}.
فقيل معناه في استواء خلق وانتصاب قامة، فهو كقوله: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم {التين:4}، وقيل معناه في قوة وشدة من الخلق فهو كقوله: نحن خلقناهم وشددنا أسرهم {الإنسان:28}. وقيل معناه: خلقناه في تعب ومكابدة للأمور. وفي معناه أقوال أخرى.
قال ابن الجوزي: قوله عز وجل: في كبد، فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: في نصب، رواه الوالبي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأبو عبيدة، وأنهم قالوا: في شدة. قال الحسن: يكابد الشكر على السراء والصبر على الضراء، ولا يخلو من أحدهما، ويكابد مصائب الدنيا، وشدائد الآخرة. وقال ابن قتيبة: في شدة غلبة ومكابدة لأمور الدنيا والآخرة.
فعلى هذا يكون من مكابدة الأمر، وهي معاناته.
والثاني: أن المعنى: خلق منتصبا يمشي على رجلين، وسائر الحيوان غير منتصب. رواه مقسم عن ابن عباس، وبه قال عكرمة، والضحاك، وعطية، والفراء.
فعلى هذا يكون معنى الكبد: الاستواء والاستقامة.
والثالث: في وسط السماء، قال ابن زيد: (لقد خلقنا الإنسان) يعني: آدم (في كبد) أي: في وسط السماء. انتهى.
والإشكال الذي أوردته إنما يرد على أحد التفسيرات، وهو تفسير الكبد بالمشقة ومكابدة الأمور.
وعليه؛ فيقال إن هذا لا يتنافى مع رحمة الله بالإنسان. بل إن كل بلاء يقدره الله على العبد فهو من تمام مصلحته، والله لا يقدر ما يقدر إلا لحكمة. وحسبك ما يساق للمؤمن من الأجور، ويرفع به من الدرجات بسبب تلك المكابدات والمشاق، ولو لم يكن في تلك المكابدات والمشاق إلا تشويق الإنسان إلى الجنة وإعلامه أن الراحة إنما تكون فيها، لكفى.
قال ابن القيم: فإن الإنسان مخلوق في شدة بكونه في الرحم، ثم في القماط والرباط، ثم هو على خطر عظيم عند بلوغه حال التكليف ومكابدة المعيشة والأمر والنهي، ثم مكابدة الموت وما بعده في البرزخ وموقف القيامة، ثم مكابدة العذاب في النار، ولا راحة له إلا في الجنة. انتهى.
وذهب العلامة ابن عاشور إلى وجه آخر في الإنسان، ففسره بالكافر، وفسر الكبد بما هو فيه من العناء بسبب التكذيب بالحق.
قال -رحمه الله-: فالذي يلتئم مع السياق ويناسب القسم، أن الكبد التعب الذي يلازم أصحاب الشرك من اعتقادهم تعدد الآلهة. واضطراب رأيهم في الجمع بين ادعاء الشركاء لله -تعالى- وبين توجههم إلى الله بطلب الرزق، وبطلب النجاة إذا أصابهم ضر. ومن إحالتهم البعث بعد الموت مع اعترافهم بالخلق الأول. فقوله: لقد خلقنا الإنسان في كبد. [ليس] دليلا مقصودا وحده، بل هو توطئة لقوله: أيحسب أن لن يقدر عليه أحد... اهـ.
وبكل حال فالإشكال مندفع بحمد الله، وحسبك أن تؤمن إذا أشكل عليك في حكمة الله -تعالى- شيء، بأنه -تعالى- لا يسأل عما يفعل، وذلك لكمال حكمته وعدله، جل ربنا وتقدس.
والله أعلم.