السؤال
توفي والدي، وأنا صغير، وانحصر الإرث في أنا، وأمي، وجدي، وجدتي، وتزوجت أمي، وادعت أنها لم تستلم ميراثها من أبي، وبعدها تزوجت من شخص آخر، وعاشا معا مدة كبيرة جدا، ثم توفي هو الآخر، وورثت عنه مالا. وهي الآن تريد حرماني من الميراث، وتوريث باقي إخوتي من زوجها الثاني.
وتارة تدعي أن كل شخص يرث من أبيه، ويترك مال الأب الآخر. وتارة أخرى تدعي، وتتحجج بأنها لم ترث من أبي، وأن أعمامي حجبوها عن الميراث. وبناء على ذلك ستحجبني عن الميراث، وأنا لا أعلم ما ذنبي، فقد كان عمري وقت وفاة والدي لا يتجاوز السنتين.
وتارة أخرى تقول إنهم ضموا ميراثها إلى ميراثي حتى لا ترث، وأخذت أنا المال، والحقيقة غائبة.
فما هو الحكم في هذا الأمر؟ وهل يجوز أن تحجبني عن ميراثها بهذه الحجج؟ وبم تنصحها إن كانت ظالمة؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
ففي السؤال إجمال، لكنا سنجيبك في حدود ما اتضح لنا منه وفق النقاط التالية:
أولا: فيما يتعلق بميراث زوج أمك الثاني ليس لك فيه نصيب، وإنما يكون لورثته، ومنهم أمك وأبناؤها منه.
ثانيا: ليس لأمك أن تعطي بعض مالها هبة لإخوانك، ولا تعطيك مثلهم. فالعدل بين الأبناء في العطية واجب على الراجح وفق ما بيناه مفصلا في الفتوى: 6242.
والفتوى المذكورة -وإن كانت بخصوص الأب- إلا أن الأم كالأب في هذا الحكم؛ لأنها أحد الأبوين، فتسري عليها أحكام العطية لهم، ولأن ما يحصل بتخصيص الأب بعض أولاده لعطيته من الحسد والعداوة فيما بينهم يحصل مثله في تخصيص الأم بعض أولادها بعطيتها، فيثبت لها مثل أحكامه في ذلك. انتهى من كلام ابن قدامة في المغني.
ولو قسمت مالها في حياتها، فليس ذلك قسمة لميراثها، وإنما هي عطية، والميراث لا يكون إلا بعد الموت.
وعلى كل يجب العدل في العطية بين الأبناء على الراجح ، ودعوى أنها لم تأخذ نصيبها من تركة أبيك لا يبيح لها أن تحرمك من العطية.
ثالثا: بالنسبة لقضية تركة الأم بعد موتها، لا تستطيع أن تحرمك من الميراث إن عشت، وبقيت حيا إلى موتها، حتى لو أوصت بأن تقسم تركتها على بعض الورثة دون بعض، فتلغى تلك الوصية، ولا تنفذ، وتقسم تركتها بعد موتها حسب ما جاء في كتاب الله، وفي سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
رابعا: ليس من الأدب مع الأم أن يكلمها ابنها في تركتها بعد موتها، وكأنه يستعجل وفاتها، مع أنه لا يدرى من يموت أولا، فقد يموت الصغير قبل الكبير، وقد يموت الصحيح قبل السقيم، وهكذا.
خامسا: لا يحق للأم أن تظلم ولدها، فالظلم ظلمات يوم القيامة، كما لا يحل للولد أن يعق أمه، والله تعالى سائل كل منهما عما أوجبه عليه تجاه الآخر، وإن كان حق الوالدين على الأبناء أعظم وآكد، ولا سيما الأم. قال تعالى: حملته أمه وهنا على وهن {لقمان:14}، وقال تعالى: حملته أمه كرها ووضعته كرها {الأحقاف:15}.
وقد جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله؛ من أحق الناس بحسن صحبتي، قال: أمك، قال: ثم من، قال: أمك، قال ثم من، قال: أمك، قال ثم من: قال: أبوك.
سادسا: ما تدعيه الأم من حقها في ميراث زوجها فلها المطالبة به، والأولى في المسائل والقضايا التي تكون بين ذوي الأرحام الصلح، فالصلح خير، ولكن إن اقتضى الأمر الترافع للمحاكم؛ فلا حرج في ذلك، أو مشافهة من يصلح للقضاء من أهل العلم، ولا يكتفى في قضايا المنازعات بالسؤال عن بعد؛ لأن المفتي حينئذ لا يسمع إلا من طرف واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تتيحه طريقة الاستفتاء، ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في ذلك.
والله أعلم.