رسالة النبي صلى الله عليه وسلم للناس كافة

0 28

السؤال

من الذين يجب أن يتبعهم المسلمون الآن؟ فالقرآن وأوامر الله كانت تنزل للرسول وللصحابة فقط، وبعد الفتوحات على يد الخلفاء الراشدين كان الناس الموجودون وقتها يأخذون الدين من الصحابة الفاتحين، كما أخذه الصحابة من الرسول صلى الله عليه وسلم، فهل الإسلام للأمم الحالية أيضا، أم كان لآخر أمة بعد الفتوحات؟ وإن كان المسلمون الآن مكلفين بكلام الله وأوامره، فما الدليل على ذلك؟ فأنا أشعر أن الله أراد للإسلام أن يصل إلى آخر أمة وصل إليها بعد الفتوحات التي جرت على يد الخلفاء الراشدين بعد انتقال الرسول صلى الله غليه وسلم إلى جوار ربه، وأنا أشعر أن هناك فجوة بين عصر الخلفاء الراشدين، والأوقات التي تلت وقتهم؛ لأنه لا يوجد أشخاص تمت مخاطبتهم في القران غير الرسول والصحابة فقط، وما الدليل على أن دين الإسلام إلى قيام الساعة؟ وشكرا جزيلا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: 

فقد بنى الأخ السائل إشكاله على اعتقاد خاطئ، ذكره في صدر سؤاله، وهو قوله: "القرآن وأوامر الله كانت تنزل للرسول وللصحابة فقط!"، وأعاد ذلك بقوله: "لا يوجد أشخاص تمت مخاطبتهم في القرآن غير الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة فقط".

والحق والصواب أن الله تعالى أنزل القرآن هداية للناس كافة، جيلا بعد جيل، وليس للإنس فقط، بل للإنس، والجن؛ فهو ذكر للعالمين، كما قال تعالى: إن هو إلا ذكر للعالمين {ص: 87}، قال الشوكاني في فتح القدير: إن هو ـ أي: القرآن، أو الحديث الذي حدثتهم به، إلا ‌ذكر ‌للعالمين ـ أي: ما هو إلا ‌ذكر ‌للعالمين ‌كافة، لا يختص بهم وحدهم. اهـ. 

وقال صديق حسن خان في فتح البيان: أي: موعظة، وتذكير للخلق ‌كافة الموجودين عند نزوله، ومن سيوجد من بعد، وفيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثا إلى جميع الخلق من الجن، والإنس، وأن دعوته عمت جميع الخلائق. اهـ. 

ويؤيد هذا قوله سبحانه: تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا {الفرقان:1}، وقوله تبارك وتعالى: وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا {سبأ:28}، قال ابن كثير في تفسيره: أي: إلا إلى جميع الخلق من المكلفين، كقوله تعالى: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا"، "تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا"... قال محمد بن كعب في قوله: "وما أرسلناك إلا كافة للناس" يعني: إلى الناس عامة. اهـ.

فالقرآن لا يقتصر على الجيل الذي أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، أو أدرك أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ، بل كل من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحجة إلى قيام الساعة، كما قال تعالى: وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ {الأنعام: 19}، قال ابن القيم في تحفة المودود: أي: ومن بلغه القرآن، فكل ‌من ‌بلغه القرآن، وتمكن من فهمه؛ فهو منذر به. اهـ. 

ولذلك قال محمد بن كعب القرظي: ‌من ‌بلغه ‌القرآن، ‌فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: ومن بلغه القرآن، فقد بلغه محمد صلى الله عليه وسلم. رواه ابن أبي شيبة، وابن الضريس، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وسعيد بن منصور في سننه. 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح عمدة الفقه: فالإنذار يحصل لمن بلغه القرآن بلفظه، أو معناه، فإذا بلغته الرسالة بواسطة، أو غير واسطة؛ قامت عليه الحجة، وانقطع عذره. اهـ.

وقال ابن القيم في الصواعق المرسلة: الله سبحانه إنما أقام ‌الحجة على خلقه بكتابه، ورسله؛ فقال: "تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا"، وقال: "وأوحي إلي هذا القرآن ‌لأنذركم ‌به ‌ومن ‌بلغ"، فكل ‌من ‌بلغه هذا القرآن؛ فقد أنذر به، وقامت عليه حجة الله به، وقال تعالى: "رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل"، وقال تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا". اهـ.

وإذا كان السائل يعتقد أن الناس وقت الفتوحات في عصر الخلفاء الراشدين يلزمهم أن يأخذوا الدين من الصحابة الفاتحين، مثلما أخذه الصحابة من الرسول صلى الله عليه وسلم، فهكذا أتباع التابعين يلزمهم أخذ الدين من التابعين، كما أخذوه هم من الصحابة، وهكذا إلى قيام الساعة، طالما حفظ المسلمون القرآن، وعلموا السنة، وبلغوا ذلك لمن بعدهم جيلا بعد جيل، خلفا بعد سلف، ويكون للتابع من الثناء بقدر اتباعه للسابق، كما يشير إليه قوله تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه {التوبة:100}.

فقد أثنى الله تعالى على المهاجرين والأنصار، وألحق بهم من اتبعهم بإحسان، وهذا باق إلى يوم القيامة، كما قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: "والذين اتبعوهم بإحسان"، قال: من بقي من أهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة. رواه الطبري، وابن أبي حاتم

وقال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أي: من اتبعهم إلى يوم القيامة. اهـ. 

وقال الواحدي في الوجيز: يعني: ومن اتبعهم على مناهجهم إلى يوم القيامة. اهـ. 

وهنا ننبه على أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم هو آخر الرسل، وخاتم الأنبياء، وكل الناس من يوم بعثته إلى قيام الساعة داخلون في أمته التي بعث إليها، وملزمون بالإيمان به، واتباعه، فمن فعل ذلك؛ كان من أمة الإجابة، ومن لم يفعل؛ كان من أمة الدعوة، وراجع في ذلك الفتوى: 130554

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وددت أنا قد رأينا إخواننا، قالوا: أولسنا إخوانك -يا رسول الله-؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك -يا رسول الله-؟ فقال: أرأيت لو أن رجلا له خيل غر محجلة، بين ظهري خيل دهم بهم، ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى -يا رسول الله-، قال: فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض... رواه مسلم

وهؤلاء هم الذين أثنى الله عليهم بعد ذكر المهاجرين والأنصار إلى قيام الساعة، فقال: والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان {الحشر:10}، قال الواحدي، والبغوي، وغيرهما من المفسرين: "والذين جاؤوا من بعدهم"، أي: والذين يجيئون من بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة. اهـ. 

وراجع ما سبق أن أجبناك به في الفتوى: 451333

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة