السؤال
مشكلتي أني أعاني من أفكار كفرية، وأعصي الله كثيرا. فبدأت أفكر في الانتحار حتى أتوقف عن عصيان ربي. ولأني في كل مرة أعد الله وأنقض وعدي، وأنا لا أرضى بهذا الشيء، والله لا يرضى به.
صحيح أن الانتحار معصية كبرى، لكن سوف أستغلها في إيقاف جريان واستمرار باقي المعاصي، وربما يتفهمني الله ويرحمني ويعفو عني؛ لأني بعت حياتي مقابل أن أتوقف عن عصيانه.
وإذا لم يرحمني فهذه إرادة الله، وهو الذي خلقني وهو الأحق في أن يحكم علي، وأنا سوف أتقبل هذا الشيء ولن أرفضه؛ لأنني بين يدي الله وهذه المرة لن أستطيع أن أعصي وأرفض إرادة الله مثلما فعلت في الدنيا، والله أرحم بخلقه.
فما حكم ما سأفعله؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكره السائل لا ينفع في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يرضي الله ولا يريح النفس، وما هو إلا نزغة من نزغات الشيطان! فإن المنتحر يعرض نفسه لغضب الله -تعالى- وأليم عقابه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا. ومن شرب سما فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا. ومن تردى من جبل، فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا. رواه البخاري ومسلم.
وراجع في ذلك الفتاوى: 10397، 33789، 219754.
فاستعذ بالله من شر الشيطان وشركه، ومن شر النفس الأمارة بالسوء، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بينهما في الاستعاذة، عندما قال له أبو بكر الصديق: يا رسول الله، علمني شيئا أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعي، فقال: قل: اللهم عالم الغيب والشهادة، فاطر السموات والأرض، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني.
وأما ما ذكرته من الأفكار الكفرية، فكرهك لها وفرارك منها دليل على صحة إيمانك بحمد الله، فقد جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.
قال النووي: معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا، وانتفت عنه الريبة والشكوك. اهـ.
وراجع الفتوى: 7950.
وأما تكرر المعاصي وكثرتها، فعلاجها في التوبة وكثرة الاستغفار وإتباع السيئات بالحسنات، والإكثار من الأعمال الصالحات، هذا كله مع شدة الرجاء في واسع رحمة الله -تعالى- ومغفرته، والطمع في عفوه وعظيم فضله.
وراجع في ذلك الفتاوى: 112268، 66163، 248146.
وأما قول السائل: (بعت حياتي مقابل أن أتوقف عن عصيانه!) فغلط فاحش، وإنما الحاصل حينئذ أن تخلصت من حياتك، وعاجلت ربك، وخالفت أمره، وفررت من معصية إلى ما هو أكبر منها وأشد.
وانظر في قولك عن الله تعالى: (هو الأحق في أن يحكم) وأنه (أرحم بخلقه) فقد حكم أرحم الراحمين بتحريم الانتحار، وتوعد فاعله بأليم العقاب، فامتثل حكم الله وأعرض عن هذا، واستقبل حياتك بتوبة نصوح، وإقبال على الله تعالى، فإنه يقبل على من يقبل عليه، فمن أتاه يمشي أتاه هرولة، ومن تقرب إليه شبرا تقرب إليه ذرعا.
والله أعلم.