السؤال
مرض جدي في آخر حياته، ودخل المستشفى، ودفع ابنه الكبير أجور المستشفى، وتوفي جدي -رحمه الله- منذ سنين، وعند تقسيم التركة طالب ابنه الكبير بما دفعه من أجور المستشفى، ويريد أخذه من الإرث، إضافة لحقه الشرعي، مع العلم أنه لم يشترط على إخوته شيئا قبل دفعه أجور مرض والده، ووالده لم يطلب منه أن يأخذ ما يدفعه من الورثة، أو أنه دين، أو ما شابه، وهو غني، وليس في حاجة، على خلاف بعض إخوته، ولكن لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، فهل له الحق في ما طلبه؟ وإذا أعطيناه ما طلب، وهو ليس من حقه الشرعي، فهل نأثم على ذلك، أم نؤجر، إذا نوينا بذلك تفادي المشاكل، وصلة الرحم؟ وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنقول ابتداء: إن الفصل في قضايا المنازعات محله المحاكم الشرعية، أو من ينوب منابها؛ وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوي، والبينات، والدفوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.
وأما المفتي؛ فإنه لا يسمع إلا من طرف واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تتيحه طريقة الاستفتاء؛ ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا، وما سنذكره هنا إنما هو على سبيل العموم، والإرشاد، والتوجيه.
فنقول: إن ما أنفقه الابن في علاج أبيه، إن كان لفقر الأب، وعجزه عن ثمن العلاج؛ فإن تلك النفقة واجبة على الابن؛ لأن نفقة الوالد الفقير واجبة على ولده الغني، كما بيناه في الفتوى: 55541.
وفي هذه الحال ليس من حق الابن أن يطالب بتلك النفقة؛ لأنها كانت واجبة عليه، وليس متبرعا بها. هذا إن كان غنيا، وسائر إخوته فقراء، وإلا فهي عليهم جميعا، كل حسب يساره، وحالته المادية.
وإن كان ما أنفقه على أبيه ليس لحاجة الأب، وإنما تبرعا من الابن؛ فليس له أيضا أن يطالب بتلك النفقة؛ لأن الرجوع في الهبة ممنوع شرعا؛ لحديث: العائد في هبته كالكلب يقيء, ثم يعود في قيئه. متفق عليه، لا سيما الهبة للأرحام غير الفروع -الأولاد، وأولادهم-؛ فقد اتفق العلماء على عدم جواز الرجوع في الهبة لهم بعد القبض، جاء في الموسوعة الفقهية: لو وهب إنسان لرحمه، وأراد الرجوع فيما وهبه بعد قبضه، ففي غير الفروع يمتنع الرجوع باتفاق. اهــ.
وإن ادعى الابن أنه أنفق تلك النفقة على أبيه بنية الرجوع -ولم يكن أبوه محتاجا-؛ فإنه يصدق مع يمينه، وراجع بشأن ذلك الفتوى: 46068.
وعلى هذا؛ فلو ادعى الابن أنه صرف على والده ذلك المال ليرجع به عليه، صدق مع يمينه، ويأخذه من التركة قبل قسمتها؛ لأنها دين فيها، ثم يأخذ الورثة ما بقي، ويقسمونه بينهم القسمة الشرعية، وانظر المزيد في الفتوى: 206617 عن شروط الرجوع بالنفقة.
وفي الحالة التي ليس من حق الابن فيها الرجوع بالنفقة؛ فإنه لا يأثم من أعطاه إياها من نصيبه في التركة، ويأثم إن أعطاه من نصيب غيره؛ لأنه تصرف في ملك الغير بغير حق.
والله أعلم.