السؤال
أدرس العلاج الطبيعي، ومن المعروف أن أغلب الجامعات مختلطة، وتقوم دكتورة بتدريس مادة علمية لها جانب عملي وهي: التمارين العلاجية. وطلبت مني في المحاضرة أن أخرج حتى تقوم بتطبيق جزء من العملي على العمود الفقري أمام زملائي؛ فامتنعت؛ لأنه لا يجوز لها أن تمس جسدي حتى وإن كنت مرتديا لملابسي، وذكرتها بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لأن يطعن أحدكم بمخيط .....). وأني في العادة لا أصافح النساء. فكيف أتركها تمسك بأجزاء من ظهري؟
فردت علي بأن هذا للعلم، وأنه لا يصح أن تخرج إحدى زميلاتي لتطبيق العملي، وأن هناك نساء يعالجن الرجال. فأخبرتها أن العلاج يكون عند الضرورة فقط. وفعلا لا يصح أن تخرج إحدى الفتيات، ولكن ما موقفي منك يا دكتورة، فأنت أنثى، وأنا ذكر. وتظل المشكلة موجودة.
انتهت المحاضرة بأن قام أحد زملائي بالخروج لتطبيق العملي. وتابعت بعدها النقاش مع الدكتورة في هذا الموضوع، وقالت لي بأن الدين يسر، وأني أصعب الأمر على نفسي. وتقول لي بأن الموضوع يتعلق بالنية، فازددت حيرة، ولم نصل لحل، فقلت لها إن الخطأ موجود في الاختلاط من الأساس، وأنك تدرسين مادة عملية لنا.
فأصبحت في حيرة من أمري. هل أنا على صواب أم خطأ؟ وهل هذا يشبه تداوي الرجل عند طبيبة، عند الضرورة أم لا؟
فما الخطأ والصواب في هذه الحالة؟ وما الحل إن هي أرادت تطبيق العملي لنا؟!
أرجو منكم تفصيل المسألة من جميع الجوانب؛ لأني بحثت جاهدا في كافة المواقع، ولم أجد فتوى مشابهة لهذه الحالة.
بالله عليكم لا تحيلوني على أية فتوى أخرى، حتى تجتمع الإجابة شاملة في هذه المسألة، وتعم الفائدة.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمس المرأة للرجل على النحو المذكور في السؤال لا يجوز في الأصل. وأما في باب الطب وتعلمه؛ فيجوز بشرط عدم المعالج من كل صنف، وبالقدر الذي تمليه الحاجة، أو تفرضه الضرورة.
وقد بوب البخاري في كتاب الطب من صحيحه باب: (هل يداوى الرجل المرأة والمرأة الرجل) وأسند فيه عن ربيع بنت معوذ. قالت: كنا نغزو مع النبى -عليه السلام-، نسقى القوم، ونخدمهم، ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة. اهـ
قال ابن بطال في شرحه: هذا إنما يجوز للنساء المتجالات اللاتي لا تخشى من قبلهن الفتنة، وأما الجواري فلا يباشرون الرجال غير ذوي المحارم منهن. اهـ.
ونقله عنه ابن الملقن في التوضيح، ثم قال: وعندنا إنما تجوز المداواة عند عدم المعالج من كل صنف. اهـ.
وقال ابن حجر في فتح الباري: فيه جواز معالجة المرأة الأجنبية الرجل الأجنبي، للضرورة. اهـ.
والمرأة المتجالة هي: الكبيرة في السن. قال الخطابي في غريب الحديث: يقال: تجالت المرأة فهي متجالة .. إذا كبرت وعجزت. اهـ.
ورد الدكتورة على السائل بأن: (هذا للعلم!) إقرار منها بأن الأصل حرمة ذلك، وأنه لولا ضرورة التعليم لما صح فعله!
وعلى ذلك، فمحل النزاع بينكما لا يصح أن يكون في حرمة هذا الفعل، وإنما في هذا التعليم، هل هو ضرورة تبيح المحرم أم لا؟ ثم ما قدر هذه الضرورة؟ ولذلك فإن الدكتورة نفسها قالت: (لا يصح أن تخرج الفتيات لتطبيق العملي)، وهذا معناه أن ضرورة التعليم في تقديرها لا تبلغ أن يخرج الفتيات لأجلها.
والمقصود أن البحث هنا ليس في الحرمة، وإنما في وجود الضرورة المبيحة لذلك.
والحقيقة أن الضرورة إنما تكون عندما يعجز نظام التعليم عن توفير رجال لتدريب الرجال، ونساء لتدريب النساء، تعلما وتعليما، سواء في مجال العلاج الطبيعي، أو غيره من المجالات الطبية، أو غير ذلك من المجالات. والحكم بذلك يختلف من بلد إلى بلد، ومن حال إلى حال.
وأما بخصوص حال السائل؛ فإنه قد أصاب في فعله وفهمه، وراجع في ذلك الفتاوى: 434107، 235087، 126019، 26820، 165577، 195741.
والله أعلم.