الفرق بين الهجرة الشرعية والهروب

0 17

السؤال

ما هو الفرق بين: هجرة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وأصحابه، والهروب؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالفرق بينهما من حيث الأدب اللفظي واضح.

وأما الفرق بينهما من حيث المعنى والمحصلة، فهو أن الهارب إنما يريد بهروبه نجاة نفسه وتجنب الضر.

وأما هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم-؛ فلم تكن مجرد تخلص من الأذى، وإنما كانت لغاية كبرى، وهي: تأسيس دولة الإسلام، وإنشاء موطن الدعوة، ثم هي قبل ذلك: استجابة لأمر الله -تعالى- الذي أمر بالهجرة، ورغب فيها، ورتب عليها ثوابا عظيما. فلم تكن الهجرة طلبا للراحة، بل هي مقدمة لبذل كبير، وجهد جهيد، وهو جهاد أعداء الدين، ونصرة المستضعفين، ولذلك قرن الله تعالى الهجرة بالإيمان والجهاد، كما في قوله تعالى: إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم } [البقرة: 218] وقوله سبحانه: {والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم } [الأنفال: 74] وقوله عز وجل: {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون. يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم. خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم [التوبة: 20، 22].

وهنا لا بد من التذكير بأن المهاجرين من الصحابة لم يكونوا فقط من مكة، ولم يكونوا جميعا من المستضعفين، بل كانوا من شتى قبائل العرب، من الجزيرة واليمن، وكثير منهم ترك حياة الدعة والراحة، وخرج من داره وأهله وماله، ليبدأ حياة الصبر والجهد. ليس لشيء إلا ابتغاء وجه الله الكريم، ونصرة رسوله الأمين -صلى الله عليه وسلم-، كما قال تعالى: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون } [الحشر: 8].

ومع ذلك نقول: إنه لا عيب على الإنسان إن هرب من بلده؛ فرارا من ظلم وعسف، أو تجنبا لضيم وجور، أو أنفة عن مذلة واستضعاف! وهذا نبي الله موسى -عليه السلام- لما خاف على نفسه من فرعون وملئه، خرج فارا بنفسه، كما قال تعالى: {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين. فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين } [القصص: 20، 21]، وقال -سبحانه- حاكيا عنه: {ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين } [الشعراء: 21].

والله أعلم.

مواد ذات صلة

المقالات

الصوتيات

المكتبة