السؤال
يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله؛ فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها؛ فهجرته إلى ما هاجر إليه.
لقد قرأت تفسيركم لهذا الحديث، وفهمت منه ما فهمت -الحمد لله-، لكن تبقى غموض فيما يخص سبل الهجرة الى امرأة تنكح بالنسبة للرجل، أو إلى رجل بالنسبة للمرأة، أو إلى دنيا تصاب. فكيف ذلك؟ حتى نتجنبها، أو نتوقف عن فعلها، إن كنا كذلك -من فضلكم-. ونطبق سبل الهجرة لله ورسوله بإحسان النية في كل الأعمال والأقوال. شكرا مسبقا على المساعدة.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن ذكر الهجرة في الحديث على سبيل المثال.
والمقصود: أن كل الأعمال من هجرة، أو حج، أو جهاد، أو غيرها؛ من فعلها لا يريد بها وجه الله، ولم يرد بها إلا غرضا دنيويا؛ فإنه لا يثاب على عمله، كمن لم يهاجر من بلد شرك إلى بلد إسلام إلا ليتزوج امرأة بها، أو ليتجر فيها مثلا؛ فإن هجرته هذه لا تعد هجرة شرعية، يثاب عليها.
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: لما ذكر صلى الله عليه وسلم أن الأعمال بحسب النيات، وأن حظ العامل من عمله نيته من خير أو شر، وهاتان كلمتان جامعتان، وقاعدتان كليتان، لا يخرج عنهما شيء، ذكر بعد ذلك مثالا من أمثال الأعمال التي صورتها واحدة، ويختلف صلاحها وفسادها باختلاف النيات، وكأنه يقول سائر الأعمال على حذو هذا المثال.
وأصل الهجرة: هجران بلد الشرك، والانتقال منه إلى دار الإسلام، كما كان المهاجرون قبل فتح مكة يهاجرون منها إلى مدينة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد هاجر من هاجر منهم قبل ذلك إلى أرض الحبشة إلى النجاشي. فأخبر صلى الله عليه وسلم أن هذه الهجرة تختلف باختلاف النيات والمقاصد بها.
فمن هاجر إلى دار الإسلام حبا لله ورسوله، ورغبة في تعلم دين الإسلام، وإظهار دينه حيث كان يعجز عنه في دار الشرك، فهذا هو المهاجر إلى الله ورسوله حقا، وكفاه شرفا وفخرا أنه حصل له ما نواه من هجرته إلى الله ورسوله.
ولهذا المعنى اقتصر في جواب هذا الشرط على إعادته بلفظه؛ لأن حصول ما نواه بهجرته نهاية المطلوب في الدنيا والآخرة.
ومن كانت هجرته من دار الشرك إلى دار الإسلام لطلب دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها في دار الإسلام، فهجرته إلى ما هاجر إليه من ذلك، فالأول تاجر، والثاني خاطب، وليس واحد منهما بمهاجر...
وسائر الأعمال كالهجرة في هذا المعنى، فصلاحها وفسادها بحسب النية الباعثة عليها، كالجهاد والحج وغيرهما، وقد سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن اختلاف نيات الناس في الجهاد، وما يقصد به من الرياء، وإظهار الشجاعة والعصبية، وغير ذلك: أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله. فخرج بهذا كل ما سألوا عنه من المقاصد الدنيوية . اهـ.
وراجعي لمزيد الفائدة الفتاوى: 52210 - 298441 - 10396 - 41709.
والله أعلم.