ما ذنب من لم يشأ الله لهم الهداية؟

0 34

السؤال

يقول الله تعالى: ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء [البقرة:272]، فما ذنب من لم يشأ الله لهم الهداية؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمشيئة الله تعالى ليست كمشيئة العباد، فإن مشيئة العباد قد توافق الحكمة والعدل، وقد تخالفها، أو تحدث خبط عشواء، وكيفيما اتفق! أما مشيئة الله فهي دائما مقترنة بعدل الله تعالى، وحكمته، وفضله، ورحمته.

فمن شاء هداه بفضله، ورحمته، ومن شاء أضله بعدله، وحكمته، ولا يظلم ربك أحدا.

فمن ضل، فإنما أضله الله؛ لأنه يستحق الضلالة بما كسبت يداه، كما قال تعالى: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون [الأنعام:110]، وقال عز وجل: فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين [الصف:5]، وقال عز وجل: ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين * إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين [النحل:36-37].

وقال سبحانه: فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون [الأعراف:30]، قال السعدي في تفسيره: {فريقا} منكم {هدى} الله، أي: وفقهم للهداية، ويسر لهم أسبابها، وصرف عنهم موانعها. {وفريقا حق عليهم الضلالة} أي: وجبت عليهم الضلالة بما تسببوا لأنفسهم، وعملوا بأسباب الغواية. فـ {إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله}، {ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا}. فحين انسلخوا من ولاية الرحمن، واستحبوا ولاية الشيطان؛ حصل لهم النصيب الوافر من الخذلان، ووكلوا إلى أنفسهم؛ فخسروا أشد الخسران {و} هم {يحسبون أنهم مهتدون} لأنهم انقلبت عليهم الحقائق، فظنوا الباطل حقا، والحق باطلا. اهـ.

وقال محمد الأمين الهرري في تفسير حدائق الروح والريحان: وإنما حقت على الفريق الثاني الضلالة؛ لأنهم اقترفوا أسبابها؛ فوجدت نتائجها، ومسبباتها، لا أنها جعلت لهم غرائز، فكانوا عليها مجبورين. يرشد إلى ذلك قوله: {إنهم} أي: إن هؤلاء الفريق الثاني {اتخذوا} وجعلوا لأنفسهم {الشياطين أولياء من دون الله} تعالى، يطيعونهم في معصية الله، وهذه الجملة تعليل لقوله: {وفريقا ‌حق ‌عليهم ‌الضلالة}؛ أي: أنهم حين أطاعوا الشياطين فيما زينوا لهم من الفواحش، والمنكرات؛ فكأنهم ولوهم أمورهم من دون الله الذي يأمر بالعدل، والإحسان، وينهى عن الفحشاء، والمنكر. اهـ.

وراجع في تفصيل ذلك الفتاوى: 226675، 355150، 242464، 153849، 137997.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة