هل أسماء الله غير متناهية العدد؟

0 34

السؤال

هل عدد أسماء الله لا نهائي؟ أسأل لأنكم قلتم في فتوى نقلا عن ابن تيمية ما معناه: إن صفات الله يعبر عنها بالأسماء، ولو أحصى النبي صلى الله عليه وسلم أسماء الله لأحصى ثناء على الله. وقلتم أيضا في فتوى: لا نهاية للثناء على الله. وإذا جمعنا هذين القولين في الظاهر؛ فالمعنى أنكم قلتم: لا نهاية للثناء على الله، والثناء على الله يكون بأسمائه؛ ففي ظاهر الكلام أن أسماء الله لا نهاية لها.
هذا مع العلم أني لا أقول: إن أسماء الله عددها لا نهائي، لا أقول على الله ما لا أعلم أبدا، ولذلك سألتكم. جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما ذكره السائل لا يعني أن أسماء الله تعالى لا نهائية! وإنما يفيد أن منها ما لا يعلمه إلا الله، وأن الخلق جميعا لا يحيطون بها علما، كما إنهم لا يحصون ثناء على الله، وإنما هو كما أثنى على نفسه سبحانه.

فالمراد هو كثرة أسماء الله تعالى، وأن منها ما لا يعلمه إلا الله، لا أنها لا نهائية، بل إن بعض أهل العلم قد ذهب إلى أننا نعرف الأسماء جميعا، قال ابن العربي في (الأمد الأقصى في شرح أسماء الله الحسنى): هل يجوز أن يكون لله سبحانه اسم استأثر بعلمه لم يطلع عليه أحدا من خلقه، أو لم يطلعنا عليه، وقد علمه غيرنا؟ وقد اختلف فيه علماؤنا -رحمة الله عليهم- على قولين:

فقال أكثرهم: لا ننكر أن تكون لله سبحانه أسماء قد استأثر بها، لم يطلعنا عليها، ولا وصلت إلينا.

وقال بعضهم: كل اسم لله تعالى حسن وصفه به؛ فقد أخبرنا به، ودلنا عليه.

وتعلق الأكثرون بأدلة:

أحدها: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في سجوده: (لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك).

ثانيها: ما روي عنه أيضا -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: وذكر حديث الشفاعة: (فأخر ساجدا بين يدي ربي، فأحمده بمحامد يعلمنيها حينئذ لا أعلمها الآن).

ثالثها: ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك)، الحديث إلى آخره.

والصحيح عندي أنه ليس له اسم، ولا صفة، إلا وقد اطلع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ... اهـ.

ثم استدل ابن العربي لما رجحه بالنظر العقلي!

والصحيح هو ما ذهب إليه الجمهور؛ لما ذكره من أدلتهم، وقد أشار ابن العربي نفسه إلى ذلك في موضع آخر، فقال في أحكام القرآن: الشيء إذا عظم قدره، عظمت أسماؤه، قال بعض الصوفية: لله ‌تعالى ‌ألف ‌اسم، وللنبي ألف اسم. فأما أسماء الله فهذا العدد حقير فيها، {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا}. اهـ.

وما كان كذلك، فكيف نحصيه كله؟!

قال ابن القيم في بدائع الفوائد: الأسماء الحسنى ‌لا ‌تدخل ‌تحت ‌حصر، ولا تحد بعدد؛ فإن لله تعالى أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده، لا يعلمها ملك مقرب، ولا نبي مرسل، كما في الحديث الصحيح: "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك"، فجعل أسماءه ثلاثة أقسام:

قسم سمى به نفسه، فأظهره لمن شاء من ملائكته، أو غيرهم، ولم ينزل به كتابه.

وقسم أنزل به كتابه، فتعرف به إلى عباده.

وقسم استأثر به في علم غيبه، فلم يطلع عليه أحد من خلقه؛ ولهذا قال: "استأثرت به" أي: انفردت بعلمه ... ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة: "فيفتح علي من محامده بما لا أحسنه الآن" رواه البخاري، ومسلم، وتلك المحامد تفي بأسمائه وصفاته، ومنه قوله: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" رواه مسلم، وأبو داود، وغيرهما. اهـ.

وقال في شفاء العليل: قوله: أو استأثرت به في علم الغيب عندك دليل على أن أسماءه أكثر من تسعة وتسعين، وأن له أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده لا يعلمها غيره.

وعلى هذا؛ فقوله عليه السلام: إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة لا ينفي أن يكون له غيرها، والكلام جملة واحدة، أي: له أسماء موصوفة بهذه الصفة، كما يقال: لفلان مائة عبد أعدهم للتجارة، وله مائة فرس أعدها للجهاد. وهذا قول الجمهور، وخالفهم ابن حزم، فزعم أن أسماءه تعالى تنحصر في هذا العدد. اهـ.

وقال ابن رجب في فتح الباري: علم الله الذي استأثر به دون خلقه لم ‌ينحصر في خمس، بل هو أكثر من ذلك، مثل علمه بعدد خلقه .. ومثل استئثاره بعلمه بذاته، وصفاته، وأسمائه، كما قال: (ولا يحيطون به علما)، وفي حديث ابن مسعود - في ذكر أسمائه -: "أو ‌استأثرت ‌به ‌في ‌علم ‌الغيب". اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة