السؤال
أريد أن أستفسر حول التصوير. قرأت في فتاوى كثيرة في موقعكم تجيزون فيها الرسم الذي لا تتضح به معالم الوجه، فليس فيه العيون المعهودة للإنسان، ولا الأنف المعهود، ولا الفم المعهود، ويكون على هيئة لا تضاهي ذوات الأرواح. وقرأت في فتوى أخرى أن وضع العيون على هيئة دوائر، والفم والأنف على هيئة خط مستقيم؛ ليس مما يضاهي خلق الله، ولا مما تتضح به معالم الوجه. وفي إحدى الفتاوى أرسل إليكم شخص سؤالا فيه صور يريد أن يستفسر عنها، فأخبرتموه أن رسوماته محرمة، ولكن إن كان في رسمه مصلحة؛ كتعليم الأطفال، فيمكنه وضع العيون على هيئة دوائر، والفم والأنف على هيئة خط مستقيم، وفي فتوى أخرى أرسل شخص رسمة فيها مربعات، لها ملامح مثل الدوائر والخطوط، فأخبرتموه أنها جائزة.والسؤال الذي حيرني: هل الهيئة التي لا تضاهي ذوات الأرواح هي ملامح الوجه بجعلها على هيئة دوائر للأعين، والفم والأنف على هيئة خط قائم؟ أم هي تغيير هيئة الجسم؟ وبالنسبة للفتوى: 128134. هل استدل العلماء على جواز الصور غير الواضحة، والصور الصغيرة مما ورد عن نقوش خواتم الصحابة؛ مثل نقش خاتم أبي هريرة -رضي الله عنه- فقد كان نقش خاتمه ذبابتين، ونقش خاتم نعمان بن مقرن أيلا قابضا إحدى يديه، باسطا الأخرى، ونقش خاتم نعمان طائر الكركي؟ أم أجازوها لأنها لا تعبد؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما قولك: ( هل الهيئة التي لا تضاهي ذوات الأرواح هي ملامح الوجه بجعلها على هيئة دوائر للأعين، والفم والأنف على هيئة خط قائم؟ أم هي تغيير هيئة الجسم؟). فمن صرح من المعاصرين بجواز الصور غير واضحة ملامح الوجه -وهي ما ليس فيه عين، أو أنف، ولا فم أصلا-، جعل المضاهاة غير متحققة إذا لم توجد تلك الملامح، كما سبق نقله في الفتوى: 404395. وأما جعل دوائر أو خطوط بدلا عن العين والأنف، فلم نقف على نص لهم فيه.
لكننا في الفتوى: 130686. قررنا أن وضع العيون على هيئة دوائر، والأنف على هيئة خط قائم؛ ليس مما يضاهي خلق الله مما ورد تحريمه، ولا مما تتضح به معالم الوجه.
وأما قولك: (هل استدل العلماء على جواز الصور غير الواضحة، والصور الصغيرة مما ورد عن نقوش خواتم الصحابة؛ مثل نقش خاتم أبي هريرة -رضي الله عنه- فقد كان نقش خاتمه ذبابتين، ونقش خاتم نعمان بن مقرن ايلا قابضا إحدى يديه، باسطا الأخرى، ونقش خاتم نعمان طائر الكركي؟ أم أجازوها لأنها لا تعبد؟ ). فقد جاءت آثار عن جملة من الصحابة أن نقوش خواتيمهم كانت مشتملة على صور.
فقد أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن موسى بن عبد الله بن زيد، عن أمه عن حذيفة، قالت: كان في خاتمه كركيان متقابلان، بينهما مكتوب: الحمد لله.
وفيه: عن أشعث عن محمد، قال: كان نقش خاتم أنس أسد رابض حوله رواس.
وفيه: عن أشعث عن محمد: أنه كان نقش خاتم الأشعري أسد بين رجلين.
وفيه: إبراهيم بن عطاء، عن أبيه، قال: كان خاتم عمران بن حصين نقشه تمثال رجل متقلد سيفا، قال إبراهيم: فرأيته أنا في خاتم عندنا في طين، فقال أبي: هذا خاتم عمران بن حصين.
وأخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار عن أم نافع بنت أبي الجعد، مولى النعمان بن مقرن، عن أبيها، قال: كان نقش خاتم النعمان بن مقرن، أيلا، قابضا إحدى يديه، باسطا الأخرى.
وأخرج عن القاسم، قال: كان نقش خاتم عبد الله -يعني: ابن مسعود-، ذبابان.
وقد استدل فقهاء الحنفية على جواز اتخاذ الصور الصغيرة بما روي من نقش خواتيم بعض الصحابة، وعللوا كذلك بأن الصور الصغيرة لا تعبد.
ففي شرح السير الكبير للسرخسي: وإن كان في خاتمه فص فيه صورة ذي روح فلا بأس بلبسه. لأن هذا يصغر عن البصر، ولا يرى عند النظر إليه من بعيد، وإنما يكره من ذلك ما يرى من بعيد، ثم معنى التعظيم والتشبيه بمن يعبد الصورة لا يحصل في استعماله هذا، وقد بلغنا أن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه - كان على فص خاتمه كركيان بينهما شيء من ذكر الله تعالى. وأبو موسى الأشعري -رضي الله تعالى عنه-، كان في خاتمه صورة أسد رابض. ألا ترى أنه لا بأس بأن يحمل الرجل في حال الصلاة دراهم العجم، وإن كان فيها تمثال الملك على سريره، وعليه تاج. اهـ.
وفي المحيط البرهاني في الفقه النعماني لابن مازة: وصورة الحيوان إن كانت صغيرة بحيث لا تبدو للناظر من بعيد لا يكره اتخاذها، والصلاة إليها؛ لأن هذا مما لا يعبد، وقد صح أنه كان على خاتم أبي هريرة -رضي الله عنه- ذبابتان، وكان على خاتم أبي موسى الأشعري كركيان، وكان على خاتم دانيال -صلوات الله عليه- صورة الأسد، وإن كانت الصورة كبيرة بحيث تبدو للناظر من بعد؛ يكره إمساكها والصلاة إليها؛ لأن إمساك الصورة تشبه بمن يعبد الصنم، والصلاة إليها يشبه تعظيمها وعبادتها فتكره. اهـ.
والله أعلم.