السؤال
طلقت امرأتي، وبيننا بنتان وابن، وتركت لهم بيتهم، وقلت لها: "هؤلاء أولادك، قومي بحقهم، وعلي نفقتهم ما حييت، ولن أنزعهم أبدا من حضانتك"، وبعد أسبوعين اتصلت بي الساعة الخامسة ليلا، وقالت: "أدرك أولادك، إن كانت لك حاجة"، فقلت: "لا تفعلي ذلك، ولا تتركي أولادك، وهم ليس لهم غنى عنك"، فأبت، وتركتهم تلك الساعة، وهم في أسوأ حال من الجوع، وعندهم كل شيء من الطعام والشراب، فأخذت أولادي، وجعلتهم عند زوجتي، ثم بعد شهرين جاءت إلي تطلب الأولاد، فأبيت أن أسلمهم لها، وقلت: "لن أسلمهم لك حتى وإن طلعت الشمس من مغربها"، فهل علي إثم على منعي إياها منهم؛ بسبب تركها لهم من قبل؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الفصل في قضايا المنازعات محله المحاكم الشرعية، أو من ينوب منابها؛ وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوى، والبينات، والدفوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.
وأما المفتي فإنه لا يسمع إلا من طرف واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما تتيحه طريقة الاستفتاء؛ ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا، وما سنذكره هنا إنما هو على سبيل العموم، والإرشاد، والتوجيه، فنقول:
أولا: الأم أحق بحضانة ولدها، ما لم تتزوج، كما ثبتت بذلك السنة في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني، وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت أحق به، ما لم تنكحي.
ثانيا: إذا تنازل من له الحضانة عن هذا الحق، ثم أراد الرجوع، كان له ذلك، جاء في دليل الطالب للشيخ مرعي -الحنبلي- قوله: ومتى زال المانع، أو أسقط الأحق حقه، ثم عاد؛ عاد الحق له... اهـ.
ثالثا: إن مقصود الحضانة العناية بالطفل، والقيام على مصالحه، وصونه من أسباب الضياع؛ ولذلك اشترط الفقهاء أن لا يكون الحاضن فاسقا فسقا يترتب عليه ضياع الولد، قال ابن عابدين في حاشيته: والحاصل: أن الحاضنة إن كانت فاسقة فسقا يلزم منه ضياع الولد عندها؛ سقط حقها... اهـ.
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية: يشترط فيمن تثبت له الحضانة أن يكون قادرا على صون الصغير في خلقه، وصحته؛ ولذلك لا تثبت الحضانة للعاجز لكبر سن، أو مرض يعوق عن ذلك، أو عاهة -كالعمى، والخرس، والصمم-، أو كانت الحاضنة تخرج كثيرا لعمل أو غيره، وتترك الولد ضائعا. اهـ.
رابعا: اشترط الفقهاء لاستحقاق الأب للحضانة أن تكون عنده أنثى صالحة لحضانة الأولاد -كالزوجة مثلا-، قال الدردير في الشرح الكبير: وشرط الحضانة للذكر -من أب، أو غيره- أن يكون عنده من يحضن من الإناث، أي: من يصلح لها -من زوجة سرية، أو أمة لخدمة، أو مستأجرة لذلك، أو متبرعة-؛ لأن الذكر لا صبر له على أحوال الاطفال كالنساء... اهـ.
نؤكد في الختام ما ذكرناه أولا من مراجعة المحكمة الشرعية في مثل هذه المسائل التي هي محل للخصومات.
والله أعلم.