السؤال
قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "ومن غلب على عقله بفطرة خلقة، أو حادث علة، لم يكن لاجتلابها على نفسه بمعصية؛ لم يلزمه الطلاق، ولا الصلاة، ولا الحدود؛ وذلك مثل المعتوه، والمجنون، والموسوس، والمبرسم، وكل ذي مرض يغلب على عقله ما كان مغلوبا على عقله". انتهى.
هذا النقل يستشهد به على عدم وقوع طلاق الموسوس، إذا تلفظ به مغلوبا على عقله، فهل الموسوس الذي يتداوى من وسوسته لا تلزمه الصلاة، ولا الحدود، إن ارتكب ما يوجبها عند الإمام الشافعي -رحمه الله-؛ لأنه مغلوب على عقله، كما لا يقع طلاقه؟
أنتظر بيان المسألة وتوضيحها، وبيان المراد بالموسوس الذي لا تلزمه الصلاة، أو الحدود، وهل هذا مذهب الإمام الشافعي فقط؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فكل مسلم ثابت العقل؛ فالصلاة والطهارة واجبة عليه، ولا عذر له في ترك شيء من ذلك، ما لم يزل عقله.
والموسوس مرفوع عنه الحرج فيما هو موسوس فيه؛ فلا يأثم بسبب وسوسته، لكن عليه أن يتجاهل الوساوس؛ فيبني على الأكثر، ولا يبالي بتلك الوساوس، وانظر الفتوى: 134196، والفتوى: 289024.
فالمرض المعروف بالوسوسة -سواء كان وسواسا قهريا أم غيره- لا يرفع التكليف، إلا فيما غلب عليه الموسوس.
وأما التكاليف الشرعية حيث كان يعقل؛ فلا تسقط عنه.
وقد يشتد الوسواس حتى يدهش الشخص، ويختلط ويذهب عقله، وهذا هو المراد بكلام الشافعي، وأنه لا تكليف عليه، قال ابن منظور في اللسان في تعريف الوسوسة: هي حديث النفس، والأفكار. ورجل موسوس إذا غلبت عليه الوسوسة.
وفي حديث عثمان -رضي الله عنه-: لما قبض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وسوس ناس، وكنت فيمن وسوس؛ يريد أنه اختلط كلامه، ودهش بموته صلى الله عليه وسلم... انتهى.
والحاصل: أن الموسوس مكلف قطعا، وتدل لذلك تفريعات الشافعية، وغيرهم من الفقهاء.
فإذا بلغ به الوسواس حدا زال معه عقله؛ فحينئذ يرفع عنه قلم التكليف.
أما ما دامت وسوسته متعلقة بالطلاق، فهو مؤاخذ ومكلف بغيره الذي لم يغلب فيه على عقله، ولم يغب عن وعيه.
والله أعلم.