السؤال
بسم الله الرحمن الرحيمنسمع ونؤمن بأن القرآن منزل، ولكن كيف ورد القرآن (( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ))حيث عبر عن الآيات بمحدثة، ومحدثة لا تكون إلا مخلوقة راجع لسان العرب
بسم الله الرحمن الرحيمنسمع ونؤمن بأن القرآن منزل، ولكن كيف ورد القرآن (( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ))حيث عبر عن الآيات بمحدثة، ومحدثة لا تكون إلا مخلوقة راجع لسان العرب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فالقرآن كلام الله تعالى وليس بمخلوق، وأما الآية فلا دلالة فيها لأهل البدع لأنها لا تتحدث عن حدوث القرآن، وإنما تتحدث عن حدوث نزوله إلينا، وشتان بين الأمرين ومن أراد الوقوف على معنى الآية فهاهي كتب المفسرين بين أيدينا
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى: وفي هذا الذكر ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه القرآن قاله ابن عباس. فعلى هذا تكون الإشارة بقوله محدث إلى إنزاله له لأنه أنزل شيئا بعد شيء.
والثاني: أنه ذكر من الأذكار وليس بالقرآن. حكاه أبو سليمان الدمشقي. وقال النقاش: هو ذكر من رسول الله وليس بالقرآن
والثالث: أنه رسول الله بدليل قوله في سياق الآية هل هذا الا بشر مثلكم. قاله الحسن بن الفضل اهـ
وقال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى : أي ما يأتيهم ذكر من ربهم محدث، يريد في النزول وتلاوة جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان ينزل سورة بعد سورة ، وآية بعد آية ، كما كان ينزله الله تعالى عليه في وقت بعد وقت ، لا أن القرآن مخلوق . وقيل : الذكر ما يذكرهم به النبي صلى الله عليه وسلم ويعظهم به . وقال : من ربهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق إلا بالوحي ، فوعظ النبي صلى الله عليه وسلم وتحذيره ذكر ، وهو محدث ، قال الله تعالى : فذكر إنما أنت مذكر [ الغاشية : 21 ] . ويقال : فلان في مجلس الذكر . وقيل : الذكر الرسول نفسه ، قاله الحسين بن الفضل بدليل ما في سياق الآية هل هذا إلا بشر مثلكم [ الأنبياء : 3 ] ولو أراد بالذكر القرآن لقال : هل هذا إلا أساطير الأولين ، ودليل هذا التأويل قوله تعالى : ويقولون إنه لمجنون * وما هو إلا ذكر للعالمين [ القلم : 51 - 52 ] يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ، وقال : قد أنزل الله إليكم ذكرا * رسولا [ الطلاق : 10 - 11 ] . إلا استمعوه يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ، أو القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم أو من أمته .
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح : وقوله: ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث فالمراد أن تنزيله إلينا هو المحدث لا الذكر نفسه، وبهذا احتج الامام أحمد ثم ساق البيهقي حديث نيار -بكسر النون وتخفيف التحتانية- بن مكرم ان أبا بكر قرأ عليهم سورة الروم فقالوا: هذا كلامك أو كلام صاحبك؟ قال: ليس كلامي ولا كلام صاحبي ولكنه كلام الله، وأصل هذا الحديث أخرجه الترمذي مصححا، وعن علي بن أبي طالب: ما حكمت مخلوقا ما حكمت إلا القرآن. ومن طريق سفيان بن عيينة سمعت عمرو بن دينار وغيره من مشيختنا يقولون: القرآن كلام الله ليس بمخلوق. وقال ابن حزم في الملل والنحل: أجمع أهل الإسلام على أن الله تعالى كلم موسى، وعلى أن القرآن كلام الله، وكذا غيره من الكتب المنزلة والصحف، ثم اختلفوا فقالت المعتزلة أن كلام الله صفة فعل مخلوقة وأنه كلم موسى بكلام أحدثه في الشجرة. وقال أحمد ومن تبعه: كلام الله هو علمه لم يزل وليس بمخلوق. وقالت الأشعرية: كلام الله صفة ذات لم يزل وليس بمخلوق وهو غير علم الله وليس لله إلا كلام واحد، واحتج لأحمد بأن الدلائل القاطعة قامت على أن الله لا يشبهه شيء من خلقه بوجه من الوجوه، فلما كان كلامنا غيرنا وكان مخلوقا، وجب أن يكون كلامه سبحانه وتعالى ليس غيره وليس مخلوقا. وأطال في الرد على المخالفين لذلك. انتهى من الفتح.
وقال الإمام البيهقي -رحمه الله تعالى- في كتابه الاعتقاد : وقوله: ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون يحتمل أن يكون معناه ذكرا غير القرآن وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم ووعظه إياهم بقوله: وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ولأنه لم يقل: لا يأتيهم ذكر إلا كان محدثا وإنما قال: ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون، فدل على أن ذكرا غير محدث. ثم إنه إنما أراد ذكر القرآن لهم وتلاوته عليهم وعلمهم به وكل ذلك محدث، والمذكور المتلو المعلوم غير محدث، كما أن ذكر العبد لله وعلمه به وعبادته له محدث، والمذكور المعلوم المعبود غير محدث، وحين احتج به على أحمد بن حنبل رحمه الله قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: قد يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المحدث لا الذكر نفسه محدث.
وراجع الفتوى رقم: 3988
والله أعلم.