السؤال
خلال فترة حفظي للقرآن الكريم كنت أعلم أن الوقف ممنوع بعد كلمة: "القتال"، في قول الله تعالى في سورة محمد: "وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض"، لكني سمعت أحد القراء المشهورين وقف عندها بشكل عادي، وعندما بحثت في أكثر من مصحف، وجدت بعض المصاحف فيها: "لا" بعد القتال، وبعض المصاحف ليس فيها شيء، فهل الوقف إجباري أم اختياري؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد بينا في الفتوى: 445333 أن علامات الوقف الموضوعة في المصاحف، إنما هي علامات اجتهادية، ولا يجب الالتزام بها وجوبا شرعيا، ما لم يتعمد القارئ وقفا يفسد المعنى، أو بداية تفسده، قال ابن الجزري في كتابه النشر في القراءات العشر: قول الأئمة: لا يجوز الوقف على المضاف دون المضاف إليه، ولا على الفعل دون الفاعل، ولا على الفاعل دون المفعول، ولا على المبتدأ دون الخبر ... إنما يريدون بذلك الجواز الأدائي، وهو الذي يحسن في القراءة، ويروق في التلاوة، ولا يريدون بذلك أنه حرام، ولا مكروه، ولا ما يؤثم، بل أرادوا بذلك الوقف الاختياري الذي يبتدأ بما بعده.
وكذلك لا يريدون بذلك أنه لا يوقف عليه البتة؛ فإنه حيث اضطر القارئ إلى الوقف على شيء من ذلك باعتبار قطع نفس، أو نحوه -من تعليم، أو اختبار-، جاز له الوقف بلا خلاف عند أحد منهم، ثم يعتمد في الابتداء ما تقدم من العودة إلى ما قبل، فيبتدئ به. اللهم إلا من يقصد بذلك تحريف المعنى عن مواضعه، وخلاف المعنى الذي أراد الله تعالى؛ فإنه -والعياذ بالله- يحرم عليه ذلك، ويجب ردعه بحسبه، على ما تقتضيه الشريعة المطهرة. اهــ.
واتباع علامات الوقف المكتوبة في المصاحف، أولى من أخذ الوقف من أفواه بعض القراء المشهورين؛ فكم من قارئ مشهور لا يحسن الوقوف.
وكلمة (القتال) ليست محل وقف، بل توصل بما بعدها، وهو جواب الشرط: رأيت الذين في قلوبهم مرض ... {محمد:20}.
ومن الوقف الممنوع اصطلاحا، الوقف الذي يفصل بين جملة الشرط وجوابها.
وكلمة (رأيت) ليست محلا للوقف أيضا، بل توصل بمفعولها: الذين في قلوبهم مرض ... {محمد:20}.
فمن الوقف الممنوع أداء -أيضا- الوقف الذي يفصل بين الفعل ومفعوله، كما تقدم في كلام ابن الجزري -رحمه الله-.
فلا يصح الوقوف على كلمة (القتال) اختيارا، ولا الابتداء بكلمة: (رأيت).
ولا يصح الوقوف على كلمة (رأيت) والابتداء بما بعدها.
والوقف على واحدة منهما هو من الوقف الذي اصطلح على تسميته عند العلماء بالوقف القبيح.
والله أعلم.